ما أجمل العلمانيين الكفرة!

بالرغم من كل ما قيل لي عن صعوبة الحصول على إجازة قيادة مركبة في بريطانيا، وكان ذلك عام 1985، فإنني كنت مضطرا لدخول التجربة على أي حال، لصعوبة العيش في منطقة بعيدة من دون سيارة. بدأت بسؤال كل من أعرف عن تجربته في الحصول عليها، وما ينصحوني باتباعه في ما يتعلق بالتعامل مع من يقوم بفحص القيادة، الكتابي والعملي. قال لي الأول إن علي ربط الحزام قبل تشغيل السيارة، وألا أتلاطف في الحديث مع الشخص الذي يقوم بالاختبار. أما الثاني، فقد أخبرني أن أعدل المرآة، وأن أنظر لما حولي قبل التحرك بالسيارة، مع التزام الصمت وعدم التحدث مع «الذي يقوم باختباري»! أما الثالث، فقد نصحني بأن أحرص على تشغيل إشارة الاتجاه، قبل المباشرة بالقيادة، مع ضرورة عدم محاولة، مجرد محاولة، تبادل الحديث مع المفتش الذي يقوم باختباري! وعندما استفسرت عن سبب إجماع الكل، من دون استثناء، على ضرورة تجنب الحديث أو التباسط مع المفتش قيل لي لأنهم صارمون ومستقيمون جدا، وتصعب رشوتهم. اجتزت التجربة الكتابية بسهولة، وانطلقت بسيارتي مع المفتش، العابس الوجه، لأداء الاختبار العملي في طرقات الحي القريب، وهو يشير لي بالاتجاه يمينا أو يسارا، ويراقب كل حركاتي، ويكاد يعد انفاسي. طلب مني إيقاف السيارة في مكان وقوف بين مركبتين، قمت بأداء ذلك بسهولة. وعندما اطمأن لقدراتي، قال لي إن السيارة أداة قتل وتخريب، كما هي أداة تسلية وانتقال، ومن المهم التحلي بالمسؤولية عند الجلوس خلف مقود المركبة، ومن الضروري لمصلحتي ولسلامة مستخدمي الطريق، من سائقين ومشاة، الالتزام بقوانين المرور، واهمها عدم القيادة تحت تأثير المشروبات أو المخدرات، وأن العقوبة كذا وكذا. طلب مني أن أتجه لطريق ضيق ذي اتجاه واحد، تقف المركبات على جانبيه، وسألني وانا أقود السيارة ببطء عما يجب علي الانتباه له في مثل ذلك الطريق، فأجبت من فوري: الأطفال والكلاب! فطلب مني التوقف على جانب الطريق، ومد يده اليمنى مرحبا بي وهو يقول بابتسامة رائعة، أزالت كل ما تكون لدي من انطباعات حذرة منه: أهنئك على اجتياز هذا الاختبار الصعب، واعتذر عن طلباتي بالتوقف المفاجئ لأكثر من مرة، أهلا بك في بريطانيا، وأتمنى أن يكون لديك دائما هذا الاحساس بالمسؤولية. استخدمت إجازة القيادة تلك، والتي لا تحمل صورتي، بل توقيعي فقط، في عشرات الدول، وكانت محل احترام أينما ذهبت، وانتهت صلاحيتها قبل بضع سنوات فقط. في زيارتي الأخيرة للندن سألت من لا يزال يعيش هناك عن شروط وظروف الحصول على إجازة القيادة حاليا فقالوا إنها لا تزال صعبة، إن كان المفتش، أو الممتحن «إنكليزيا». أما إذا كان من «الجماعة»، أصحاب أقدم الحضارات، والتقاليد العريقة، فالمسألة فيها نظر، وطلب المقسوم، أو التفاوض على السعر ليس بالأمر الصعب، وهم بالتالي «أسهل في التعامل» من العلمانيين... الكفرة!

أحمد الصراف 



الارشيف

Back to Top