اللعنة أم الرحمة
قام حسن من نومه فجرا على جرس منبهه الكوري، ونظر إلى ساعة معصمه السويسرية، متمنيا أن يكون في الأمر خطأ، فهو بحاجة للنوم لدقائق قليلة أخرى، وصح توقعه، فقد رنت الساعة اللعينة مرة أخرى قبل موعدها، ولكنه لم يستطع العودة إلى النوم، فترك الفرشة الأميركية الوثيرة، بعد أن تقلب عليها عشرات المرات، مفتقدا زوجته التي ذهبت لأداء العمرة، ربما بطائرة «ايرباص»، مع والدتها وأخواتها. أضاء حسن مفتاح الضوء الإيطالي عند سريره، ودخل الحمام وقضى حاجته في الآنية الاسبانية، ونشف وجهه بفوطة ارجنتينية، ونزل إلى المطبخ وفتح البراد، وأخذ قطعة زبدة دانمركية إضافة لقطعتي خبز ألمانيتين مناسب للحمية، ووضع الخبز في التوستر، أو المحمصة الفرنسية، وملأ إبريق الكهرباء الياباني بالماء المعالج بالكلور والفلورايد البلجيكي، واخذ كيس الشاي السيلاني، ووضعه في الكوب الصيني، وجلس على الكرسي الفرنسي بانتظار أن يسخن الماء! مد يده لريموت التلفزيون الكوري، وأخذ يستمع لآخر اخبار قناة السي ان ان الأميركية، عاد إلى البراد وأخذ مرطبان العسل النيذرلندي الأسود، ووضعه أمامه مع صحن وشوكة وسكين من الصين، وبدأ بتناول إفطاره المبكر في ضوء الفلورسنت البولندي، مستمتعا بهواء المكيف الأميركي! وعندما انتهى ذهب إلى الحمام لتنظيف اسنانه بفرشاة اسنان يابانية ومعجون فرنسي. وهنا حان موعد صلاة الفجر، فأنهى وضوءه وذهب إلى غرفة نومه، حيث اعتاد الصلاة هناك، وفرش السجادة السنغافورية على الأرض وانهى صلاته! فكر في العودة إلى النوم، ولكن هيهات، وهنا قرر أن يذهب للسير على شارع الخليج فلاتزال الحرارة محمولة في هذه الساعة المبكرة. غادر البيت الخالي، بعد أن ارتدى حذاء الرياضة الصيني، ولم يستطع التأكد من مصدر جواربه، واستقل سيارته الألمانية واتجه إلى الخليج، وهناك فوجئ بالعدد الكبير نسبيا من المتريضين، وغالبيتهم أوروبيون، بعضهم يمشي وآخرون يهرولون، وثالث برفقة كلبه الضخم، واثنان جالسان يصطادان السمك بسنانير يابانية، وفكر بينه وبين نفسه: ألا ينام السمك؟ عاد بعد ساعة إلى بيته، وأخد يقلب صحف الصباح بورقها المستورد من فنلندا، والتي طبعت على مكائن بريطانية، ولكنه لم يستطع التركيز، حيث لم يعتد بعد على استخدام عدسات نظارته السويدية الجديدة، فترك الصحف جانبا، وعاد إلى المطبخ وشغل ماكينة قهوة الاكسبرسو السويسرية، وجلس يرتشف قهوته مع سيجارة إنكليزية أشعلها من كبريت سويدي، وهنا شعر بالنعاس! ترك كل شيء ومشى إلى غرفة نومه، واستغرق في نوم عميق. استيقظ على صوت قوي صادر من مكبرات المسجد التايلندية، فقام واغتسل وارتدى دشداشته، بقماشها الياباني ونعاله الإيطالي وحمل معه هاتفه الفنلندي، وذهب لأداء صلاة الجمعة في المسجد، كدأبه منذ سنوات! وهناك سمع خطيب الجمعة يدعو بالخير والبركة لجميع لمسلمين، وأن يوفقهم الله لما فيه صلاحهم، وأن يبعد عنهم كيد أعدائهم، ويوحدهم وينهي خلافاتهم. ودعا الخطيب بهلاك أعدائهم من يهود ونصارى وكفار، وأن يحرق زرعهم ويجفف أنهارهم ويرمل نساءهم وييتم ابناءهم ويقطع نسلهم! وهنا رفع حسن حاجبيه مستغربا، وأدار بصره في الحضور يبحث عمن يشاركه في استغرابه، ويقلب نظره في كل ما حوله من أثاث وأسقف وثريات وميكروفونات وخشب وسجاد ومكيفات وأسلاك وأجهزة ومراوح وأبواب وحديد وزجاج ودهان وديكور وغير ذلك الكثير، فوجد أن جميعه مستورد أو مصنوع بيد من طالب الخطيب بإفناء نسلهم، وتساءل بينه وبين نفسه، أليس من الأفضل أن نقوم أولا بصنع مثل هذه الأشياء بحيث إن فني نسلهم يكون لدينا البديل؟ وأليس من الأفضل، بدلا من الدعاء بفنائهم أن نطلب لهم الرحمة والتوفيق والهداية، لخدمتنا، وأن يرخص اسعار بضائعهم، ويزيد من جودتها، ويحسن من فعالية أمصالهم ويزيد من قوة أدويتهم ويرفع من تبريد مكيفاتهم؟ أم أن الدعوة عليهم بانقطاع النسل أفضل، وأكثر جلبا للحسنات؟