التحليلات الخرطي

ضحكتُ كثيراً وأنا أتابع التطورات المتلاحقة التي شهدتها مصر أخيرا، وكيف تمكن حزب الإخوان المسلمين من الاستفراد بالحكم وتجميع كل الصلاحيات في يد ممثلهم، رئيس الجمهورية! وكيف قبل «الفيلد مارشال» طنطاوي، أو أُجبر على قبول الذهاب إلى بيته لكي «يرتاح»، بعد ان كان قبلها بساعات حاكم مصر الفعلي، وكيف أُقيل رئيس الأركان (عنان) وهو نائم، وأعيد بعدها الجيش، لأول مرة منذ أكثر من 60 عاما إلى ثكناته، ليصبح وايضا لأول مرة مؤسسة عسكرية فقط بعد ان كان مؤسسة مالية وصناعية وسياسية، وليصبح وزير الدفاع وزيرا مثل بقية الوزراء وليس أعلى حتى من رئيسهم، كما كانت الحال خلال عهدي السادات ومبارك! ولا ننسى طبعا في هذه العجالة الأحداث المفاجئة الأخيرة في ليبيا، التي اعيد فيها الاعتبار الى الليبرالية في دولة تزخر بالقبلية! وسبب ضحكي هو التعارض الشديد بين كل ما حدث وبين كم التحليلات الفاسدة التي أدلى بها، تصريحا وتلميحا وكتابة، مجموعة من المحليين السياسيين والعسكريين «الاستراتيجيين» من أمثال عبدالباري عطوان ومحمد حسنين هيكل وعلاء الأسواني، الذي نتمنى أن يعود الى الأدب وينسى «حكاية التحليل»، وغيرهم من محللين عرب ومحليين، في ما يتعلق بما يجري في أكثر من دولة عربية، ومنها مصر، وما توقعوه بأن المجلس العسكري الأعلى فيها، والذي أصبح في خبر كان، سيدفع باللواء سليمان ليصبح رئيسا ويعيد مبارك الى قصره ويمنع محاكمة أبنائه، وأن الأمر مسرحية أعد لها الجيش باتقان! أو أن مرشح الجيش هو الفريق شفيق، وأن عهد مبارك سيعود على يديه وان طنطاوي وراءه! وسقط شفيق، ربما بسبب كل ذلك، وعندما نجح محمد مرسي قال هؤلاء المحللون «الخرطي» ان قادة الجيش تركوه ينجح لأنه سيكون ضعيفا، وهم الذين سيحكمون، فالقوة العسكرية والتشريعية بأيديهم! وتبين لاحقا أن لا شيء مما ذكروه كان دقيقا، وأن نظرية المؤامرة، التي طالما آمنوا بها كانت كالرياح التي تهب في اتجاه وسفينة الأحداث تبحر في اتجاه آخر، ولا أريد أن اقول ان طنطاوي لم يكن يحضر نفسه لرئاسة مصر، أو انه كان اضعف مما تصور الكثيرون، وذلك لكي لا اصبح واحدا من «زمرة» المحللين، فالحقيقة أن لا احد «أبدا» توقع ما حصل أو الطريقة التي انتهت بها الأمور، حتى الآن، وصعود نجم محمد مرسي، بهذه السرعة، وهو الذي كان احتياطيا، مع كل تواضع قدراته الشخصية وإمكاناته وخبراته السياسية، فقد نجح الرجل، و«فشل» عباقرة الصحافة والإعلام السياسي في تحليلاتهم، ونتمنى أن يتعلموا شيئا من هذا الدرس ويخففوا عنا مستقبلا إسهال تصريحاتهم، فهم في الحقيقة لا يختلفون كثيرا عن الدجالين من قارئي الطالع وكاشفي البخت الذين يصدرون كتبا سنوية بتوقعاتهم، وما إن يتحقق شيء منها حتى يملأوا الدنيا صراخا! وهنا لا يلتفت أحد للكم الهائل من الكذب الذي ورد في كتبهم، فالناس تهتم بقصص النجاح أما الفشل فله الرحمة، وقد رأينا كيف اشتهر من هاجر الى الأميركتين وأفريقيا، ولم نسمع غير قصصهم، أما الذين أكلتهم التماسيح أو غرقوا في البحيرات والأنهار فلا أحد يود أن يعرف عنهم شيئا!

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top