السيدة X والرشوة
في سابقة رائعة، دانت محكمة الجنايات نائب رئيس لجنة المناقصات المركزية (هارب) بالحبس 10 سنوات لحصوله على ثلاث سيارات مرسيدس جديدة، مقابل مساعدة المدان الثاني، الراشي، في الحصول على مناقصة لمصلحته. بداية كشف خيوط الجريمة كانت مختلفة. كان الأمر يتعلق بطلب الديوان من لجنة المناقصات تأهيل شركة زراعية. اعترضت «السيدة x»، عضو اللجنة على طلب التأهيل، واتفق بعض الأعضاء معها. دفع الرفض الشركة الزراعية للتظلم. لسبب يطول شرحه وصل ملف القضية لهيئة مكافحة الفساد (نزاهة) التي نظرت فيه، لكنها، ولسبب غير معروف، وضعته جانبا واهتمت أكثر بقضية أخرى، وكان أيضا لعضو لجنة المناقصات، «السيدة x»، دور في رفضها، مع زميل آخر. تبين لهيئة مكافحة الفساد، من واقع ما توصلت اليه وحققت فيه أن هناك شبهة في موافقة لجنة المناقصات على طلب وزارة الصحة التعاقد المباشر مع شركة لتوريد سيارات الإسعاف بمبلغ 3 ملايين و700 ألف دينار، خصوصا أن الطلب غير مستعجل، وكان ذلك في عهد وزير الصحة الفاضل د. جمال الحربي! شكوك هيئة الفساد في الأمر دفعها لطلب شهادة «السيدة x»، ومعرفة سبب رفضها، زادت شهادتها من شكوك هيئة نزاهة فقررت تفعيل أدواتها، والكشف عن سجلات مكاتب المتهم/ المدان الثاني وفحص دفاتره، فتبين لها أن المتهم/ المدان الأول قد تسلم بالفعل ثلاث سيارات فارهة من تلك الشركة، وسجلها باسم زوجته، في غياب أي دليل على قيامه بدفع ثمنها، مما شكل واقعة رشوة. قامت «نزاهة» بتحويل ملف القضية للنيابة، والتي قامت بدورها باستدعاء «السيدة x» للمثول أمامها، ليس كعضو في لجنة المناقصات، بل كوزيرة، وكانت تلك شهادتها الثانية، حيث ذكرت وبشجاعة وطلاقة منطق تحسد عليها بأن موافقة الأجهزة المالية وإدارة الفتوى والتشريع على طلب وزارة الصحة التعاقد المباشر مع شركة توريد سيارات الإسعاف غير ملزمة لجهاز المناقصات المركزية، لأن موافقتها تقتصر فقط على الجانب المادي والشكل القانوني، أما الجهة المعنية بالموافقة على آلية التعاقد فهي المناقصات فقط. وأكدت في شهادتها أن الأصل في التعاقد هو المناقصة، والاستثناء هو التعاقد المباشر أو الممارسة. نتمنى أن يتعزز هذا الحكم في درجات التقاضي التالية، ولا يسعنا هنا إلا تقديم الشكر للنائب الفاضل راكان النصف، لدوره في حث الوزراء المعنيين على تحريك ملف القضية في أدوارها منذ أكثر من ثلاثة اعوام. والشكر موصول لهيئة النزاهة التي لم تتردد في تحريك أدواتها، واقتحام مكاتب الشركة الراشية وكشف الرشوة. كما يستحق الأستاذ فيصل القطان، محامي الدولة في الفتوى والتشريع، الشكر منا على مرافعته. أما الفضل الأكبر في هذه القضية التاريخية فيعود «للسيدة x»، صاحبة الموقف الشريف والجريء، وإصرارها على المخاطرة والادلاء بشهادتها التي كانت الفيصل في إدانة المتهمين. «السيدة x» ليست إلا د. المهندسة جنان بوشهري، صاحبة أقوى استقالة في التاريخ السياسي الكويتي، والتي خسر الوطن الكثير بخروجها من الوزارة بعد أن تغلبت قوى الفساد عليها تحت قبة «عبدالله السالم»، فتحية لها وهي في عزلتها المؤقتة!
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw