القيود الانتخابية.. والتطهير العرقي
كانت التجمُّعات البشرية في الكويت، مع بداية عهدها بالديموقراطية، تتركّز في ثلاث مناطق رئيسة: العاصمة، التي كان يحيط بها سور يمتد من البحر إلى البحر، وكانت تتكوّن من أربعة أحياء؛ حي الشرق وحي القبلة وحي المرقاب، وحي الوسط أو قلب العاصمة، حيث الأسواق والإدارات الحكومية وقصر الحكم. أما خارج السور فكانت هناك مدينة الجهراء وما حولها، شمالا، ومدينة الفحيحيل وما حولها، جنوباً. مع تدفّق عائدات النفط، وزيادة عدد السكان، تقرر هدم كامل بيوت العاصمة، عدا بضعة دواوين أو بيوت قديمة واقعة على الساحل البحري، ونقل السكان الى مناطق سكن حديثة خارج السور. وهكذا برزت مناطق جديدة يتكون سكانها من خليط من مناطق العاصمة القديمة، بكل خلفياتهم العرقية والمذهبية وأصولهم التاريخية. مع زيادة الاستقطاب، واشتداد التنافس على المقعد الانتخابي، وتجذّر الاختلاف العرقي والمذهبي والقبلي داخل المجتمعين ـــــ الحضري والبدوي ـــــ بدعم أو سكوت حكومي، قام البعض باستغلال ذلك، وأيضا بمساعدة حكومية واضحة، بعملية فرز أسرية وقبلية وطائفية، شبه متفق عليها، بحيث يقوم ابن منطقة سكنية معيّنة، ومن الأقلية فيها، ببيع بيته لمن ينتمي الى أغلبية أهل تلك المنطقة، والانتقال الى منطقة يكون لصوته الانتخابي فيها قيمة أو قوة أكبر، وتتفق وتوجّهاته العرقية أو الدينية، وكان ذلك تنظيفا عرقيا طوعيا. وهكذا أصبحت هناك كتل انتخابية من نوعية واحدة، ومناطق كاملة مقتصرة على قبيلة واحدة. ومع تزايد الاستقطاب، وتوقّف عملية الفرز الطوعي، لم يبق أمام مزوّري إرادة الأمة غير التلاعب في القيود الانتخابية.
* * *
تقوم الحكومة في شهر فبراير بفتح باب القيد في الجداول الانتخابية لجعلها عادلة وخالية من الأخطاء، وشطب المتوفين منها، وكل من صدرت عليهم أحكام، ولإدراج أسماء من بلغوا السن القانونية، وإتاحة الفرصة لأصحاب الصفة والمصلحة للطعن فيها، والاعتراض على أي اسم لعسكري أو متوفى فيها. كما يتيح فتح القيود الانتخابية إثبات عمليات تغيير عنوان السكن من منطقة الى أخرى، ومن هذا المدخل حدثت عمليات فساد وتخريب في إرادة الناخبين على مدى نصف قرن، وكان لوزارة الداخلية، ولهيئة المعلومات المدنية دورها، فليس سهلاً نقل آلاف الأصوات من منطقة انتخابية الى أخرى من دون «قبول» أو معرفة حكومية. إن نقل الاصوات بصورة غير سليمة، والذي تزايد بشكل مخيف في السنوات الأخيرة، لا يقصد به غير التأثير المسبق على نتائج الانتخابات، خاصة عندما تتعمّد الجهات المعنية تأخير نشر سجل الناخبين، الذي يتضمن اسم وعنوان سكن كل ناخب (!!). واستشعاراً منا ومن غيرنا بخطورة مثل هذه المخالفات، وضرورة تنقية الممارسة الديموقراطية من السلبيات، التي تؤثر في نزاهة الانتخابات وشفافيتها، فإن من الضروري حث الجميع على المسارعة والقيد في السجلات الانتخابية. مع ضرورة القضاء على كل حالات العبث به، ووقف النقل الوهمي للأصوات. والأهم من ذلك إسناد القيود الانتخابية، والعملية الانتخابية برمتها، الى جهات قضائية، أو الى هيئة وطنية مستقلة تتوافر لها ضمانات الحيدة، للإشراف المستمر على النظام الانتخابي، وبخلاف ذلك، فإن التلاعب سيستمر، و«لا طبنا ولا غدا الشر».
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw