تتخاريف الربيع وهيكل ؟؟
في مقابلة نشرتها الأهرام في يوليو الماضي، ذكر محمد حسنين هيكل أن ما يشهده العالم العربي اليوم ليس «ربيعا»، وانما «سايكس بيكو» جديد لتقسيمه وتقاسم موارده ومواقعه. وأن التقسيم سيكون ضمن 3 مشاريع، الأول: غربي، والثاني ايراني، والثالث تركي، فضلا عن نصف مشروع اسرائيلي لاجهاض القضية الفلسطينية! والحقيقة أن مثل هذا الكلام ردده هيكل ومعلقون «استراتيجيون» في كل مرة تنشب فيها حرب أو تشتعل ثورة او يحدث انقلاب! فعندما نشبت حرب الخليج الأولى بين ايران وصدام العراق، والحرب الثانية بين صدام وأميركا، ارتفعت اصوات هؤلاء محذرة من أن العراق سيقسم حتما، على الأقل لثلاث دول! وتكرر «الهرج» نفسه عندما بدأت الثورة الليبية، وكيف أن القوى الغربية، التي تساند الثوار، تهدف لتقسيمها لولايات! ويعود الحديث نفسه للتكرار الآن مع الثورة في سوريا، وأنها ستقسم حتما لدول عدة، احداها علوية! وقد تكرر هذا الحديث إلى درجة أنني كلما نويت شراء خريطة حائط أؤجل القرار لحين الانتهاء من تقسيم المنطقة بصورة نهائية، وشراء واحدة جديدة، ويبدو أنني سأنتظر لبعض الوقت قبل تحقيق شيء! ويقول هيكل ان سبب هذا الثورات هو تأديب المواقع، أو الدول، العصية، أو تأديبها واستعادتها لـ «حضن الغرب»، وكل ذلك تمهيدا لفصل جديد في شرق أوسط يعاد تخطيطه وترتيبه وتأمينه، حتى لا يفلت مرة أخرى، كما حدث عندما بدأ رواد العرب حلم مشروعهم القومي، الذي تبدى لسنوات كأنه هو شكل المستقبل! وهذا منطق ساذج فذلك الحلم، والذي لم يكن أكثر من حلم، الذي يتكلم عليه هيكل تهاوى كعلبة كرتون فارغة عند أول اختبار قوة مع اسرائيل، وبالتالي كان مشروعا فارغ المحتوى، ولم يكن يوما مصدر قلق لأحد اصلا غير شعوبها! وهنا من حقنا القول ان الربيع العربي، بصرف النظر عن صحة التسمية أو ما تمخض عنه حتى الآن، كان ولا يزال في مجمله، حركة أو ثورة صحية طال انتظارها، وكانت مستحقة منذ عقود، فالواقع ان كل الأنظمة العربية، من سقط منها ومن بقي، كانت ولاتزال تشكو من اختلالات سياسية واقتصادية وأخلاقية رهيبة، لا يمكن أن تبقى كما هي لمجرد أن المنطقة معرضة للتقسيم ولنهب ثرواتها، وكأن شعوب هذه الدول كانت تعرف أصلا ما تعنيه كلمة «ثروة»، فقد نهب بن علي والقذافي ومبارك وصالح وبطاناتهم ثروات شعوبهم وفشلوا، بقسوة مخيفة، في تحقيق شيء لهم، كما أهانوا كراماتهم لعقود طويلة، ولا يمكن قبول منطق أن ما سيأتي بعدهم سيكون أكثر سوءا، أو التخويف بالبعبع الديني، فالتغيرات الجديدة التي عمت العالم العربي، والتي وصلت تأثيراتها حتى إلى اسرائيل، لا يمكن أن تسمح، في مجملها، بالعودة إلى الوراء، فالشعوب تنفست الحرية وعرفت كيف تحصل على حقوقها! والغريب أيضا تباكي هيكل على ليبيا، وكيف خسرها العرب، وذهبت لقمة سائغة لدول الغرب، وكيف ان الذين لايزالون يقاومون حكومتها بالسلاح، هم وطنيون يدافعون عن أرض ليبيا ومصالحها القومية، وليس عن نظام القذافي!