خرافات وحقائق
يحلو لبعض المتفلسفين، من الإخوان المسلمين والمهندسين، سرد مجموعة من الأقوال المجتزأة أو المشكوك في صحتها والمختلف عليها وعلى صحة مصدرها، وتحذير المؤمنين وغيرهم من سوء العقاب إن لم يتبعوا ما كتبه، ووصف المعارضين لما كتبه بالمشركين والملحدين والمفترين على الدعاة والناقمين على المصلحين، والمستهزئين بالمتدينين، وإن هؤلاء (هكذا بكل بساطة) في جهنم وبئس المصير! كما يصف من يخالف عقيدة المسلمين، حسب فهمه، ومن يسخر من أفكاره ووجهات نظره بالكفر، وهذا شطط ما بعده شطط وإجازة لقتل الآخر، فقط لأنه يعتقد ذلك، وأن فهمه للدين هو الصحيح.
***
من جانب آخر، نجد أن البعض، وهم ليسوا قلة، أصبحوا على استعداد لتفسير أي هجوم على أي نائب أو وزير أو أي شخصية عامة بمنزلة الهجوم على قبيلة ذلك الوزير أو النائب، أو على مذهبه! فتجدهم يسارعون في التصدي بشراسة للناقد أو المهاجم محذرين إياه من التعرض للقبيلة، لأنها فخر الجزيرة، أو أن الطائفة خط أحمر لا ينبغي تجاوزه، محذرين الناقد أو المهاجم بالويل والثبور وعظائم الأمور، وكل ذلك لحماية جماعتهم من النقد، وحتما لترهيب منتقدي الوزير أو النائب، أو الشخصية العامة، وهو نهج يترسخ يوما عن يوم، بحيث أصبحنا نربط النائب بقبيلته، والنائب بمذهبه، وأي هجوم على أي منهم هجوم على القبيلة أو المذهب!
***
من المعروف أنه كلما زادت مدنية الدولة، اضمحلت الفوارق بين فئات المجتمع وأصبحوا بالتالي أكثر تلاحما. وكانت الكويت سبّاقة في مجال تمدين مكوّنات الشعب، والدولة الخليجية الأولى، أو الوحيدة، التي اختارت، في بدايات نهضتها التخلص من الإرث القبلي عن طريق خلط مكونات المجتمع ودفعها للمشاركة في السكن بعضها مع بعض في ضواح نموذجية جديدة. ولكن فئات كثيرة وجدت، وبسكوت وتاليا بدعم حكومي، ان العودة للقبيلة، والاحتماء والاستقواء بها أفضل بكثير من الاستقواء أو الاعتماد على الدولة وقوانينها، وبالتالي ازدادت الشراسة في الدفاع عن المكون القبلي، أو المذهبي، فمن خلال هذا المكون يمكن الحصول على الكثير. كما أن هذا الانتماء يعطي النائب الرخصة للتوسط بالمحتمي بالقبيلة أو الطائفة، لدى الحكومة لتمرير طلباته ومعاملاته، ولهذا نجد ان حظوظ أو فرص الكثير من رافضي الانتماء لغير كيان الدولة، في تقلد المناصب العليا والمراكز المرموقة ضئيلة إلى حد كبير، فقلة على استعداد لتقديم خدمة لمن «لا ينتمي» لمذهب أو قبيلة!
***
ذهبت لزيارة صديق في منطقة المسايل الجديدة، واستغربت من العدد غير المبرر لمساجد المنطقة، وبعضها لا يبعد عن الآخر بأكثر من مئات الأمتار، وليس في الأمر مبالغة، وعددها يزيد حتما على حاجة سكان المنطقة وبالتالي ستبقى غالبيتها خالية، وسيكون لذلك تأثير سلبي على دورها وعلى نفسية من يرتادها أو من يؤم الناس فيها. كما أن بناء كل هذا العدد الكبير من المساجد، غير المستغلة بشكل مناسب ربما له مضار على البنية التحتية والتركيبة السكانية، وإسراف لا مبرر له، غير تنفيع البعض على حساب المصلحة العامة. ومن مظاهر تدين الدولة، بالرغم مما رأيناه أخيرا من مظاهر انفتاح، قرار إدارة المناهج في التربية تدريس سيرة رجل دين، دار حوله لغط كثير، بالرغم من أنه على قيد الحياة، وهذه سابقة! فما الذي ستفعله الوزارة إن أدين ذلك الشخص مستقبلا في جريمة ما؟.
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw