المشاعر العربية والفارسية المختلطة

بسبب التداعيات المحلية الأخيرة المتعلقة بوباء فيروس الكورونا، وتصادف أن غالبية من أصيبوا بالمرض من المواطنين كانوا في زيارات «دينية» لإيران، خلال فترة الأعياد الوطنية، ظهرت إلى السطح أحقاد بعض ممثلي الطرفين، العنصرية والطائفية، ضد بعضهم البعض وضد إخوة وأخوات لهم في الإنسانية، قبل ان يكونوا إخوة في المواطنة. يمكن تبرير بعض تلك الأحقاد والكراهية التي تستوطن نفوس وعقول أصحابها بالظروف السياسية الحالية والانتخابية القادمة، فليس من وسيلة أو طريقة أفضل لكسب قلوب وعقول وأصوات الناخبين الجهلة، من مخاطبة المنحط من الغرائز بداخلهم. يبث المستفيدون من الوضع سمومهم وهم على يقين من أن لا أحد من الذين قاموا بمهاجمتهم أو الطعن في وطنيتهم سيترك الكويت لهم، ويستقل أول «سوبربان» أو سفينة متجهة لحدود أو سواحل السعودية أو البحرين او العراق أو إيران او غيرها، ليس فقط لأن الوطن أغلى من كل شيء، بل وأيضا لأن أيا من هذه الدول لا ترغب بهم، ومن رحب منها بهم كان لما في جيوبهم وليس لسواد عيونهم. خليجيا، من الصعب الحديث عن العلاقة بين المذهبين السني أو الشيعي، دون حضور قوي للعلاقات العربية الفارسية، التي تعود في الجزيرة لما قبل الإسلام بقليل، عندما استعان الملك اليمني سيف بن ذي يزن بقوات الفرس لدحر الغزو الأثيوبي. كما سبق ذلك بقرون احتلال قوات «سيروس» أو كورش الفارسي للعراق، عام 500 قبل الميلاد. وامتداد امبراطوريته لمصر ومناطق أخرى من الشرق العربي، فإيران كانت، بالمعنى السياسي الحديث، أول دولة استعمارية في التاريخ. ليس هناك تفسير أفضل لتفسير معنى «مشاعر مختلطة» من العلاقة العربية الفارسية. فمن جهة يدين الفرس للعرب بدينهم الذي يعتزون به، ويرون فيه خلاصهم، وهم كانوا طوال تاريخهم مسلمون سنُّة، حتى جاء الملك الصفوي عام 1501 واختار الشيعة الاثنى عشرية مذهباً لمملكته. ولكنهم من جهة أخرى عز عليهم، وهم من كانوا ملء السمع والبصر، وسادة ساحات الوغى، وعاصمة الفن والجمال، والشعر والموسيقى والنحت والرسم، والقوس والنشاب، والكر والفر، أن يتغلب عليهم جيش صحراوي مهلهل لا يمتلك أفراده شيئا من فنون الحرب والسلم التي طالما تغنى باقتنائها الفرس، ليذيقوهم كؤوس الذل والهوان ويستبيحوا نساءهم وينهبوا قصورهم ويمرغوا أنوف كبارهم بالتراب، ويغيروا ويؤثروا في اللغة والثقافة الفارسية ما شاء لهم من تغيير وتأثير، ويأخذوا منها ما طاب لهم. هنا نجد أن في قلب ووجدان كل فارسي مؤمن مشاعر مختلطة اتجاه من أعطاهم الدين وأخذ منهم المجد والافتخار، ربما إلى الأبد. وموضوع المشاعر المختلطة ينطبق بالقدر ذاته على العرب. فقد نجح هؤلاء في كسر شوكة أكبر إمبراطوريات ذلك العصر، واخضاعهم لهم، ولكنهم مع هذا دانوا لهم بالفضل في عشرات الميادين. ولهذا ستبقى تبعات هذه المشاعر المختلطة في نفوس الفريقين إلى الأبد، وعلينا التعايش معها كما هي وليس التكسب سياسيا أو طائفيا منها. وإلى مقالات أخرى في هذا الموضوع.

أحمد الصراف 

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top