الحرية.. هي أول المطالب
تتوق كل شعوب العالم إلى الحرية المنضبطة، التي لا يمكن الوصول لها بغير الديموقراطية الصحيحة، والمسؤولة. فالديموقراطية الصحيحة هي التي تشعرنا بأننا أحرارٌ في عقديتنا، في أفكارنا، وفي تحركنا. أحرار في ما نصرح به ونكتبه، ضمن حدود القانون. نريد الديموقراطية لأننا بحاجة لأن يكون لنا دور في تشريع قوانيننا، ونظام عيشنا. نريد ديموقراطية كي لا نتعرّض للاعتقال والسجن من دون مبرر ومسوغ قانونين، وكي لا يتعرض أحد للتعذيب ولهدر حقوقه كإنسان. نريد ديموقراطية تحاسب المسؤول عن أي انتهاكات يتهم ويُدان بارتكابها. نريد ديموقراطية تكفل لنا حق العيش والعمل. نريد ديموقراطية، تمكن من خلالها ممارسة حقوقنا في اختيار من يمثلنا. نريد ديموقراطية توفر لنا قضاء عادلاً، والحق في منازعته. نريد الديموقراطية لكي نحافظ عن طريقها على المال العام، ونضمن تكافؤ الفرص للجميع. نريد الديموقراطية لكي نضمن تعليماً لائقاً لأبنائنا، ورعاية صحية أفضل، واسلوباً أقوم للحفاظ على ثرواتنا القومية، وأمانة أكبر في استثمار أرصدة أجيالنا القادمة. نريد الديموقراطية لأننا نتوق الى العيش بحرية وكرامة، وهذا لا يمكن أن يتوافر بطريقة سليمة في ظل الدكتاتورية. * * *
والسؤال: هل ما «نتمتع به» في وطننا ونعيشه يعتبر ديموقراطية؟ الإجابة قد تختلف من شخص لآخر. لكن من دون الدخول في تفاصيل كثيرة، فمن الواضح أننا نعيش في ديموقراطية من نوع خاص. فلا ديموقراطية صحيحة بوجود تعصّب ديني وقبلي وطائفي، ومجتمع غارق فيها جميعاً. ولا ديموقراطية في مجتمع جاهل، لا يعرف أفراده ما لهم من حقوق وما عليهم من التزامات. ولا ديموقراطية بغير صحافة حرة. ولا ديموقراطية في مجتمع طبقي. وبالتالي، فإن ديموقراطيتنا ليست خاصة، بل مشوّهة، وتحتاج إصلاحاً وعلاجاً، ليس لكي تصبح ديموقراطيتنا كاملة، وهي ليست كذلك إلا في دول تُعد على أصابع اليد الواحدة، لكن لكي نتمتع بالفعل بالحد الأدنى من مكوّناتها، فهذا لا يمكن أن يتحقق بغير مراجعة وإعادة النظر في تجربتنا وممارساتنا السياسية، وفي العلاقة بين مكونات المجتمع؛ فالكفر بالديموقراطية أصبح شائعاً، وهذا ما كان يتطلع إليه دائماً بعض قصار النظر، أو الحالمون بنهب ثروات الأمة. volume 0% لكننا أصبحنا اليوم، مع التطورات المحلية والعالمية الأخيرة، وهبوط دخل الدولة لأقل من النصف، أمام إيمان تام باستحالة، او صعوبة بقاء الأوضاع السياسية والاقتصادية وغيرها على ما هي عليه، وبالتالي أمامنا أحد طريقين: فإما أن نتبع طريقاً جديداً، تدار من خلاله الأمور بأقصى درجات التضامن والتكاتف، بين مكونات ركني الأمة، من خلال ديموقراطية تكفل مزيداً من الحريات، وإما إبقاء الأوضاع على ما هي عليه، وانتظار الخراب المقبل. فعجز الموازنة أصبح حقيقة، وليس وهماً، كما كان يجيبنا كل من انتقد سابق تحذيراتنا من قرب وقوع الكارثة، ويستحيل إدارة الأمور بحصافة في ظل النظام التشريعي الحالي، فالمرحلة المقبلة تتطلب اتباع نظام ديموقراطي قابل للحياة والتطبيق، وهذا ليس بالصعب متى ما «حسنت النوايا». لست مع التحفّظ على لجان المجلس الثلاث، خاصة في تشكيلتها الأولى، وقبل حدوث الانسحابات منها، مع تحفّظي على عدد من أعضائها، من اصحاب التوجه الديني المتطرّف. لكنني مؤمن بأن الطريق لحفظ حقوق الإنسان في الكويت وتحقيق العدالة يتطلب قبول «التحدي» والسير في تعديل دستور ١٩٦٢ لصيغة أفضل، تضمن حريات أكبر، من خلال تطبيق نظام القوائم النسبية؛ الذي دعت إليه القبس. فهل سيمتلك أعضاء اللجان الثلاث الإرادة والنية للوصول الى صيغة يمكن بها القضاء على «القبليات» و«التشاوريات»، وتقليل أخطار الطائفية والقبلية، وتحقيق المزيد من الحرية؟!
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw