سوء الأخلاق مع «كوفيد 19»
يقولون في العراق، عندما يكتشفون أمراً كان خافياً عليهم: هسه دارت لي! أي الآن عرفت. ونقول في الكويت: الآن عرفت «الغمدة»!
***
لقد طالبنا كثيرا بضرورة وقف الافراط غير المبرر للجرعة الدينية في مناهج التربية، والتركيز ولو قليلا على مادة الأخلاق، أسوة بما هو متبع في الكثير من الدول الراقية في تقدمها وأخلاقياتها كاليابان والدول الاسكندنافية! اليوم، في محنتنا القاسية والظروف الحرجة والخطيرة التي نواجهها نكتشف مدى أهمية تدريس الأخلاق. فليس بالإمكان مثلا استخدام المنطق الديني لدفع الناس للمحافظة على الصحة العامة ومنع انتشار الوباء من خلال التجمعات المكثفة في دور العبادة. فغالبية المصلين، مدفوعين بفتاوى «عبد الخالق» وغيره، طالب بالابقاء على الصلوات في المساجد، وحتى صلاة الجمعة. كما اعترضوا حتى على مطالبة المؤذن الحكيمة، في نهاية الأذان، ببقاء المصلين في بيوتهم. لا يلام هؤلاء المعترضون، فهم لم يتعلموا إلا الدين الذي يتطلب منهم في جميع الأحوال، عدا الحروب، أداء الصلاة جماعة، غير ملتفتين، ربما عمدا، لخطورة التجمعات ليس فقط على صحتهم، ولا على صحة أحبتهم وأهاليهم، بل وعلى وجود الدولة ككل، وتصرفهم هذا على علاقة بالأخلاق أكثر من أي شيء آخر.
***
وعندما طالب نائب بمنع عودة عدد من المواطنين من إيران خوفا من أن ينقلوا عدوى وباء الكورونا للداخل، لم أعترض على وجهة نظره، فقد اعتبرت تصرفه تعبيرا عن رأيه ومخاوفه. ولكن عندما عاد النائب نفسه بعدها بفترة قصيرة، وطالب، بكل صفاقة، بإجلاء كل المواطنين من تركيا وإعادتهم للوطن لخطورة الأوضاع الصحية في تركيا، هنا أصبحت المسألة طائفية وغير أخلاقية بامتياز، وربما لا يلام صاحبها، فقد تربى وتعلم بطريقة تجعله يتبع فريقا ومذهبا ما ويكفر أتباع الفرق الأخرى. ولو تم تدريسه مادة الاخلاق، لما تصرف بتلك الطريقة المتسمة ليس فقط بالتناقض الشديد، ونقص الأخلاق، بل وبفقد كل مشاعر الندم without remorse وهي أقصى درجات التمادي في ارتكاب المخالفات الجسيمة مع عدم الاكتراث.
***
وعندما يطالب نائب، من الفريق المضاد، بإلقاء القبض ومحاسبة مواطن قام بأداء واجبه عندما قام بالإبلاغ عن تجمع ديني نسائي غير قانوني ولا صحي في أحد البيوت السكنية، من خلال تسجيل صوت مراسم العزاء المقامة فيه، فإن تصرف ذلك النائب، أو استياءه الشديد من المواطن، لم يكن طائفيا فقط، بل ولا أخلاقيا أيضا. فقد تعلم أن مذهبه، وكل ما يصدر عن اتباعه حق، وكل من يخالفهم على باطل، وبالتالي لم يستطع رؤية إلا الجانب الديني في تصرف المواطن، وطالب بمعاقبته، ولم ير الجانب الأخلاقي. وهكذا نرى في الحالات الثلاث ان العقيدة الدينية، أو المذهب، لا صلة لها بالأخلاق، بل بطرق العبادة. أما الأخلاق فتتعلق بكامل تصرفاتنا، بعضنا ببعض ومع الغير، بصرف النظر عن دين الغير أو جنسه أو جنسيته.
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw