لتحترق مصر..!
يقضي أغلب البشر أعمارهم وهم يعتقدون أنهم يدافعون عن أفكارهم، غير مدركين أنهم يدافعون في الحقيقة عن الأفكار التي زرعها الغير في عقولهم. فنحن أبناء بيئتنا ومجتمعنا، وما نؤمن به ونعتقد هو ما تم تعليمه لنا في المدرسة والبيت، وما التقطناه في الشارع ونحن نلعب أو نتسامر مع أقراننا. الأغلبية تنتهي حياتها من دون أن تحاول يوماً أن تتساءل عن سبب كرهها لطعام معيّن أو بغضها لناس أو شعب أو لطريقة معيشة ما، هي فقط تكرهها، «وبس»!! وسبب ذلك قد يكون معروفاً، وراشداً، ولكن غالباً ما يكون مجهولاً، ومعرفته تتطلب بذل الجهد لتأكيد الرأي وإزالة الشك، أو تعديله، وقلة تود الخوض في بحر الشك العميق، غير مدركين أن الحضارة الغربية الحديثة، وريثة الحضارة اليونانية، بُنيت على الشك؛ فالشك هو بداية ظهور الحقيقة. يقول الفيلسوف عالم الرياضيات البريطاني الراحل برتناند رسل إن البشر يميلون إلى الإيمان بالمعتقدات التي تتناسب مع رغباتهم؛ فالشخص القاسي القلب في أقواله وتصرّفاته يؤمن بقوة إلهية قاسية، وهو يستخدم معتقداته لتبرير قسوته. أما الإنسان المسالم والصالح فإنه يؤمن برب صالح ومسالم. ولا تشكل المجتمعات الجاهلة أو المتخلفة أي خطورة على غيرها، إلا عندما ترى أن جهلها مقدس! يقول أحد المنتمين الى جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وهو بهجت صابر، في شريط مسجل وموجّه للمصريين إن على كل واحد يشعر بسخونة أو برد أن ينطلق ويذهب للنيابة أو للمحكمة أو لأي عسكري في الطريق ويصافح الجميع ويعانقهم. كما أن عليه أن يسلم ويصافح رجال الأعمال، خاصة إذا كان بالفعل مصاباً بمرض «الكورونا»، لينشغل نظام الحكم بالمشكلة. واستحلف هذا الشخص المصابين بأن ينتقموا لأنفسهم (من النظام) وأن يثأروا لعرضهم بنقل العدوى لأكبر عدد ممكن!
* * *
وفي شريط مسجل آخر، بثّه الإعلامي «الإخونجي» الهارب معتز مطر من تركيا ذكر فيه: يقولون إن تاريخنا وحضارتنا تعود لسبعة آلاف سنة، ولكن الحقيقة أن الهكسوس احتلوا مصر وحكموها من 1648 والى 1540 قبل الميلاد، يعني 140 سنة. والآشوريين احتلوا مصر 16 سنة، والفرس احتلوا مصر 120 سنة، وعادوا ثانية واحتلوا مصر، take away، 12 سنة، ومن أخرجهم ليس المصريون بل اليونانيون، الذين جلسوا مكانهم لمدة سنتين، وكان ذلك في زمن الإسكندر. ثم جاء البطالمة اليونان وكملوا احتلال مصر لــ300 سنة، وقام الرومان بقيادة أوكتافيوس بإخراج البطالمة وجلسوا مكانهم، و«المصريين قاعدين يتفرجون». أما الرومان فقد احتلوا مصر 360 سنة. وبعدها لم يقم «شعب مصر العظيم» من النوم ليقول «لا للرومان»، بل جاء البيزنطيون وأخرجوا الرومان، وجلسوا مكانهم وبقوا 310 سنوات، ومع هذا لم يصحُ الشعب العظيم، إلى أن جاء «الفتح» الإسلامي الذي أخرج المحتل، وهذا يعني أن مصر بقيت 1255 سنة وهي تتفرج على القوات والجيوش وهي تحتلها، وإنها كانت الدولة الوحيدة التي حكمها «مماليك» أو العبيد، الذين استمر حكمهم 267 سنة، واستمروا بعدها قادة لجيش مصر لفترة أربعمئة سنة أخرى، ثم جاء الفرنسيون واحتلوا مصر سنتين، ثم جاء الإنكليز واحتلوها 72 سنة. ثم طلبنا من محمد علي أن يحكمنا، وهو تركي.(!!)
* * *
يورد معتز هذا الكلام المسيء لوطنه ليس من باب السرد التاريخي، ولو كان ذلك لتقبّلناه، وبيّنا ما فيها من أخطاء وتجنٍّ وقلة ذوق. بل قاله من منطلق بغضه لنظام الحكم، واستعداده لتشويه سمعته، ليعودوا لحكم لمصر. وهذا أمر متوقع من «إخونجي»، يملأ الحقد قلبه، وهو هنا لا يختلف عن مرشده الذي قال «طز في مصر»، والآخر الذي فضل أندونيسيا رئيساً لمصر على مصري قبطي! إن الأشكال التي تتحكم في الأحزاب الدينية في الكويت لا تختلف عن أشكال هؤلاء؛ فالوصول إلى الحكم هو غايتهم.
وإلى مقال الغد. أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw