الجمعيات والإعاشة والسفير البكر

نكتب للتاريخ، ليس لنتعلم منه فقط، بل وأيضاً كي لا نكرر الأخطاء نفسها.

* * *

سمعت من البي بي سي، في يوم 12 أغسطس 1990 خبر وصول سفير العراق السابق لدى الكويت، لمصادرة وثائق وزارة الخارجية، بعد غزو العراق لوطننا. وحيث إنني كنت أعرفه وعلى عداوة معه، فقد قررت الخروج خوفاً من بطشه. انتهى بي المقام في الرياض، وأصبحت بحكم الواقع de facto رئيساً للجنة الإعاشة مع جمع كبير من المتطوعين. بعد شهرين من العمل المرهق، 18 ساعة في اليوم، وبسبب وضع أسرتي النفسي الصعب، قررت الانتقال لدبي والعيش فيها، وسلمت العهدة والأمانة بكاملها للفدائي (المرحوم) حمد النخيلان، وذهبت لسفيرنا حينها في الرياض، الأخ أبو وائل «عبد الرحمن البكر» وسلمته كشف كمبيوتر يتضمن أسماء جميع من صرفنا لهم الإعاشة من مبلغ الثمانين مليون دولار، الذي تسلمته من حكومة المنفى في الطائف لصرفه على «اللاجئين الكويتيين»، بما في ذلك أسماء «المواطنين غير الشرفاء» الذين نجحوا في سرقتنا في اللجنة، عن طريق الغش والحلف، وإعطاء معلومات خطأ، وبالتالي تسلُّم المعونة السخية مرات عدة، سواء من خلال استخدام هويات متعددة، أو إرسال الزوجات والأبناء للمطالبة بالمعونة السخية.. وهكذا. صدم السفير من حجم الغش والتزوير الذي تعرض له المال العام، ومن بعض أصحاب الأسماء التي شاركت في النهب، وشعرت أنه محرج، ويبحث عن إجابة، وبعد لحظة صمت بدت طويلة، أخرج من درج مكتبه نسخة من المصحف وطلب مني أن أحلف بأن ليس لدي نسخة أخرى من كشف الأسماء! رفضت الحلف لأن بإمكان من سيأتي بعدي طبع ما يشاء منها، ووعدته أن أسعى جاهداً كي لا تتسرب أسماء السراق لآخرين، إن وعد بإيصال الكشف لحكومة المنفى في الطائف.

* * *

تذكرت تلك الواقعة وأنا أقرأ خبر قيام السيدة وزيرة الشؤون المحترمة، مريم العقيل بإقالة رئيس مجلس إدارة جمعية تعاونية وأمين صندوقها، لمسؤوليتهما عن مخالفات مالية جسيمة في الجمعية! وتذكرت أيضاً أنها المرة الألف التي يكتفي فيها وزير أو وزيرة الشؤون بإقالة رئيس أو عضو جمعية تعاونية، او نسف كامل مجلس الإدارة، وتعيين أو انتخاب بديل عنهم من دون الاقتصاص من الذين «نهبوا» أموال الجمعية. ما حدث مع هذه الجمعية، وفي هذا الظرف العصيب الذي نمر به، يشبه إلى حد كبير ما حدث أيام الغزو والاحتلال البغيضة، عندما تعرض المال العام للسلب والنهب. نتمنى من معالي وزيرة الشؤون استعمال صلاحياتها، وإحالة رئيس تلك الجمعية وأمين صندوقها إلى النيابة ليس فقط للقصاص منهما، بل وأيضا لاسترداد أموال المساهمين التي استولوا عليها، وليكونوا، ولمرة على الأقل، عبرة لغيرهم. ولا أدري لماذا تذكرت كشف «المواطنين غير الشرفاء» الذين سرقونا في لجنة الرياض، قبل ثلاثين عاماً! فلو كان لدي الآن لتصفحته ولربما وجدت بين الأسماء من أصبحوا، بعد عشرين أو ثلاثين عاماً نواباً ووزراء وأئمة مساجد ووعاظا من أصحاب المال والجاه و«الكبت». ملاحظة: volume 0% احترت بك أيها المطرُ.. إن سكتُّ عنك فسيعتقد من بعقليتك أنك أفحمتني. وإن رددت عليك أعطيتك أهمية لا تستحقها، لا أنت ولا من طلب منك مهاجمتي.

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top