البدلة والجبة والاحترام
يسعى البشر طوال حياتهم لخلق الاحترام لأنفسهم، بصرف النظر عما يمتلكون من ثروات أو مواهب! وقد تكرر عبر التاريخ الحديث دخول رجال أثرياء لعالم كالسياسة، بحثا عن دور او احترام لم يستطع المال جلبه لهم، والاحترام يجر بالتبعية المكانة الاجتماعية، وما يسري على الغني يسري على ما دونه ثراء، فهؤلاء في سعيهم لتأمين عيشهم يبذلون جهدا في عدم الإفراط بكرامتهم، إن استطاعوا!
وهناك طبقات في المجتمع تشعر في بداية حياتها بالدونية، وأنهم أصحاب مكانة اقل، وللتغلب على ذلك نجدهم يبحثون عن عمل يوفر لهم وقارا اجتماعيا لا توفره لهم مهن أخرى، وإن كانت أكثر كسبا للمال أو أكثر صعوبة في الأداء. كما يبحث هؤلاء مع الوقار الاجتماعي لمكملاته من «زي شرعي» أو بدلة رسمية، والتي تعطيهم إما «هيبة السلطة»، أو الحق في التحدث دون اعتراض الغير على أقواله، حتى وإن كان كلامه بلا معنى أو منطق!
وقد روى لي صديق من عائلة السياسي السلفي خالد سلطان، أنه دعي يوما من قبله للاستماع لأحد قادة السلف، الذي منح الجنسية اخيرا «لجليل خدماته»، وعندما رفع يده في نهاية المحاضرة طالبا التعليق قام السيد سلطان بإنزال يده بقوة قائلا: أنت هنا في حضرة قمة، ولتستمع فقط، وليس لكي تسأل}!
نعود ونقول ان ما يفرضه رجل الدين من احترام على من حوله لا يعود غالبا لما في كلامه من علم ومنطق، بل لما للهالة الاجتماعية التي اكتسبها، بحكم القانون والعرف، والتي لا تسمح بمجادلته، أو بسبب جهل مستمعيه لما يقوله، أو لعدم رغبتهم الدخول في نقاش يعلمون مسبقا أن الغلبة فيه ستكون لمن درس وتمرس في علم الكلام والجدال! وبالتالي نجد أن الحكومات، وبإيعاز من المؤسسات الدينية، التي غالبا ما تضفي الشرعية الدستورية على طريقة حكمها، تقوم بتحصين مكانة رجل الدين، المعاصرة والتاريخية، بقوانين تجعل من مجرد التعرض لهم بالقول جريمة كبرى.
وتحصين مكانة رجل الدين والشخصيات الدينية التاريخية لم يأت فقط من منطلق مصلحي على قاعدة «شيلني واشيلك»، بل وأيضا لتعلق وظائف و«أكل عيش» الملايين بها! ولو واجهنا اي رجل دين بأي قضية دينية شائكة، كالحمل المستكن مثلا، فإنه سرعان ما سيطالب بقبول الأمر كما هو وتحريم النقاش أو المجادلة فيه، أو يسعى لاتهام من يجادله بتهمة ما.
والحقيقة أن هذا الفزع أمر غير مبرر! فعندما قام منتج اميركي مغمور بإنتاج فيلم «آخر إغراءات المسيح» قامت الدنيا عليه، مطالبة بمنع عرض الفيلم ومعاقبة الذي وراءه، ولكن كبير أساقفة إنكلترا تدخل لمصلحته قائلا ان الدين المسيحي لا يستحق أن يبقى إن كانت فكرته برمتها مهددة بفيلم لم يكلف انتاجه أكثر من 5 ملايين دولار!
وبالتالي، نرى أن الإسلام انتشر وتوسع، ولا يزال الدين الأكثر انتشارا، ولم تؤثر فيه نوائب كبرى طوال 14 قرنا، وهو لم يكن يوما في خطر، وما نحتاجه بالتالي هو فتح باب النقاش الحر أمام الجميع، والتخلي عن القوانين التي تجرم مناقشة قضايا مفصلية. فتقدم أوروبا الغربية، والغرب عموما، لم يحدث لولا إيمانها بالحرية، فلا تقدم هناك بغير حرية، ولا حرية بغير ديموقراطية ولا ديمقراطية بغير الحق في اختيارالمعتقد! ولكن يبدو أنني أكلم الجدران من حولي.