يا سمو الرئيس.. شاركني ألمي!

يبلغ الدخل السنوي غير المنظور الذي يحققه «مواطنون غير شرفاء»، من تجارة الإقامات بين 3 و5 مليارات دولار. وكأية تجارة غير شرعية، فإن القضاء عليها ليس سهلا، طالما كانت هناك حاجة لها. ومخطئ من يعتقد أن سجن ضابط أو إدانة تاجر ستوقف هذا الاستغلال في ظل القوانين السائدة. هناك بطالة في الدول المصدرة للعمالة، وهناك حاجة لأيدي هؤلاء في دول أخرى، وستبقى هذه المعادلة غير عادلة إن لم تتحرك الحكومة سريعا وتضع الحلول لها، وأتمنى أن يشاركني سمو رئيس مجلس الوزراء هواجسي وآلامي وآمالي بغد أفضل.

* * *

أعتقد أن عدم وجود قانون لأي تصرف أفضل من وجود قانون سيئ، فالقوانين المنظمة للعمل معيبة، ولا تغطي كل حالات الاستغلال البشع للإنسان. وكان لكل الحكومات السابقة، بقصد أو بغيره، دور في انتشار ظاهرة المتاجرة بعرق البشر وقوتهم، من خلال تراخيها في التصدي للمشكلة، وعدم اكتراثها لظروف معيشة الملايين من العمال، الذين دفعوا ثمنا غاليا على مدى الثلاثين عاما الماضية، على الأقل. فقانون المناقصات يطلب من لجنة المناقصات ترسية أي عقد خدمات أو توريد سلع على «أقل الأسعار»، سواء كانت السلعة بصلاً أم بشراً. فكيف يمكن قبول ترسية عقد تنظيف ما بمبلغ 70 ديناراً للعامل مثلا، وتكلفة احضاره بالطائرة وإسكانه وإطعامه ونقله وإعادته لا يمكن أن تقل عن 100 دينار مثلا؟ هل المسؤولية هنا تقع على المقاول أم الحكومة؟ خاصة ان الأخيرة تعلم جيدا الظروف المعيشية «المنحطة» التي سيعيشها هؤلاء وغيرهم، ومع هذا لم تفعل شيئا. وهذا المثال يشمل أنشطة كثيرة أخرى كالتمريض والحراسة والفراشين. فالكويت يمكن أن تكون نموذجية في تعاملها مع الإنسان، ويجب ألا يقل دخل العامل عن حد معين. ويجب ألا تستمر سياسة جلب مئات الآلاف من العمال سنويا، بعقود حكومية وغيرها من دون التحقق من ظروف سكن ومعيشة هؤلاء، هذا على افتراض الحاجة لهم. فلم نجلب آلاف العمال للخدمة في المطارات، ونقبل بعدم وجودهم في الدول المتقدمة؟ ولماذا نحتاج وجود عشرات آلاف البقالات المتنقلة والثابتة وعربات الـ«آيس كريم» وغيرها، خارج منظومة منافذ البيع المعروفة من جمعيات وسوبر ماركت؟ وما حاجتنا لكل هذا العدد من «الحراس النائمين»، وهناك أنظمة آلية يمكن أن تؤدي نفس الخدمة بطرق أفضل وتكلفة أقل؟ ولماذا يحتاج جيش موظفي الدولة، العاطلين عن العمل غالبا، لجيش من الفراشين لخدمتهم؟ فآلة مشروبات في ممر أية وزارة يمكن ان تغني عن الكثير.

* * *

كنت أتعامل قبل سنوات في المواد الغذائية، وفي يوم زارنا مفتش البلدية للكشف على المخازن. رحبت به بحرارة، فأثار ذلك شكوكه. طلبت منه القيام بعمله، وعندما عاد قلت له اسمع يا ابني: أرجو منك أن تتحملني قليلا، أنت عيني على سلامة ما أتناوله وأهلي من طعام، فربما وجدت أو ستجد من سيدفع لك رشوة لكي تمرر مخالفة ما، ولكنك سترتكب جريمة بحق نفسك وعائلتك، ولن يفيدك كثيرا المبلغ الذي حصلت عليه. فالأطعمة المخالفة التي غضضت الطرف عنها ستدخل يوما بيتك، وستستهلكها أنت وأحبتك دون ان تدري، وستتأثر صحتك بها، بما يزيد على ما حصلت عليه من مال. فإذا كانت الحكومة تريد «تنفيع» شخص ما، أو شراء ولائه أو صوته، فإن أمامها عشرات الطرق للقيام بذلك، ولسنا أوصياء عليها، ولكن من الخطأ القاتل القيام بذلك التنفيع من خلال مسارين: التجنيس والمتاجرة بالعمالة، فثمن ذلك كان وسيبقى وخيما وهائلا في تبعاته، ويشبه قبول رشوة لتمرير مواد فاسدة، فسيتضرر من «وقعنا» له على عدم الممانعة، كما سنتأثر نحن جميعا من ذلك التوقيع.

* * *

 نحن بحاجة، يا سمو الرئيس، لتغيير في النهج وفي اتباع سياسات جديدة، وحكومتك بحاجة لإصدار حزمة من القوانين التي طال انتظارها، سواء ما تعلق بقضية الاتجار بالبشر، وجعلها جناية، أو لتشريعات جديدة وتعديل البالي منها، ورفع مستوى الأداء، والاعتماد على الميكنة، وتكثيف استخدام وسائل التواصل الحديثة، التي اعتاد عليها الجميع أثناء محنة الكورونا، مع تغليظ العقوبات وتطبيقها على الجميع، نكرر الجميع، سواء كان فردا من الأسرة أو عاملا وافدا. يقول من يعرفك، يا سمو الرئيس، انك تمثل نهجا مختلفا وخلاقا يعتمد على رؤية عملية واضحة، مع التزام جاد بالقانون والحزم في تطبيقه، وبلا مجاملة. وإن الأمل، يا سمو الرئيس، يتمثل بك في تحقيق القفزة، أو التقدم المأمول، فأنت تمتلك المعرفة والثقافة والشخصية والخبرة والرغبة الصادقة في تقويم النهج المعوج. نعم هناك تحديات كبيرة، وعوامل الهدم والخراب كثيرة، ولكن لا بديل عن الأمل.

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top