أبحث عن المستفيد
يقول مستفيد من عمل بعض الجمعيات الخيرية، مدافعاً عن قيام غالبيتها باستقطاع ما نسبته %12.5 من كل مبلغ يردها، بأن الإنسان عدو ما جهل، وهذا صحيح، وينطبق حتى على من اعتقد أن النسبة عادلة لجهله بما تحتويه من مبالغة. وكمصرفي ورجل أعمال فإن صفة الجهل في ما تعنيه هذه النسبة من خطورة لا تنطبق علي، ولا على الكثيرين غيري، فهي فاحشة بالفعل. ولم يكن غريباً بالتالي ما رأيناه من حجم الاحتجاج الذي ثار، مع نهاية حملة «فزعة للكويت»، عندما تبين أن بعض «الجمعيات الخيرية»، قررت استقطاع تلك النسبة مما تم جمعه من أموال، أي ما يقارب المليون دينار لنفسها مقابل قيامها «بلا شيء تقريباً» خلال حملة لم تدم لأكثر من يوم! ولو نظرنا لعمولات مديري الصناديق الاستثمارية في الكويت لوجدنا أن غالبيتهم لا يتقاضون أكثر من %1 إلى %2، وبالتالي فإن ما تقوم بعض الجمعيات باستقطاعه يزيد بكثير على حاجتها. ففي جواب على سؤال برلماني وجهه النائب أحمد الفضل إلى وزيرة الشؤون السابقة، تبين أن بضع جمعيات خيرية نجحت في جمع 700 مليون دينار خلال السنوات القليلة الماضية، ولو افترضنا أنها استقطعت محلياً ما نسبته %5، %12 من المبلغ فإن هذا يقارب المئة مليون دينار، فهل صرف ذلك المبلغ على رواتب موظفي الجمعيات والشاي والقهوة وإيجار المقار والقرطاسية وتمويل الحملات وطباعة المنشورات فقط؟! ألا يستحي من كلامه من برر للجمعيات هذه النسبة؟! ولو علمنا أن ما تقوم بعض الجمعيات بتحويله للخارج لتمويل مشاريعها «الخيرية» يخضع غالباً للنسبة نفسها، ولو علمنا أن الجمعيات الخارجية تكون أحياناً أفرعاً للمحلية، فإننا نكتشف مدى الغبن الذي يلحق بأموال المتبرعين، وحجم الإساءة التي تطول كل العاملين في العمل الخيري. وتصبح المسألة مدعاة أكبر للتساؤل عندما نكتشف أن بعض اللجان والجمعيات الخيرية لا تدفع أي إيجارات، وفوق ذلك تتلقى دعماً مالياً من الدولة. وليس هناك دليل أفضل على مدى ارتفاع هذه النسبة، التي كانت يوماً %30 ثم خفضت للخُمس، أي %20، ثم خفضتها «الشؤون» %12.5 مع حقيقة أن غالبية هذه الجمعيات تتبع أساساً جهتين «سياسيتين دينيتين» فقط!! فما الذي يدفعها لتأسيس كل هذا العدد من الجمعيات، إذا كانت تشكو من ارتفاع مصاريفها الإدارية، لتبرير استقطاع تلك النسبة؟ ألم يكن من الأفضل دمجها في واحدة أو اثنتين وتوفير الملايين في صورة مصاريف؟ بالبحث أكثر نكتشف أن هذا التفريخ لم يأتِ عبثاً بل جاء عن قصد وقناعة. فعلى الرغم من التشابه في أهداف غالبية هذه الجمعيات، فإن تعددها يحميها من الخروج كلياً من ساحة «الخيرات»، إن قامت الحكومة بسحب ترخيص إحداها، لأن البقية ستستمر في جمع التبرعات! كما أن تعددها يبعد الأنظار عن تركز الأموال فيها. فامتلاك جمعية خيرية مبلغ مئة مليون دينار أمر مثير للريبة، لكن توزيع المبلغ على عشرات الجمعيات يجعل وضعها مقبولاً وغير مثير للشكوك. كما أن تعددها يسمح لها بتوظيف وتشغيل أكبر عدد ممكن من أتباعها، وتعيين الأعوان، داخل الكويت وخارجها، والصرف عليهم بسخاء من «حصة القائمين عليها»، وما لذلك من انعكاسات إيجابية في كسب الأصوات في وقت الانتخابات! إضافة إلى أن تعددها يعطي «فاعلي الخير»، وغالبيتهم من البسطاء الباحثين عن الأجر، الشعور بأنهم يتبرعون لجهات عدة، وما يعنيه ذلك من راحة نفسية، غير مدركين أن هذه الأموال تصب في النهاية في حساب واحد. كما تستفيد هذه الجمعيات من التعدد في إرباك أعمال الوزارة في أعمال الرقابة والمراجعة وتدقيق حساباتها. فالقيام بكل عمليات الرقابة والإشراف على ستين جمعية ليس كمثل الرقابة على عشر مثلاً. كما أن تعددها يعطيها قوة تصويتية أكبر في أي اتحاد أو رابطة او حضور سياسي يتم إنشاؤه مستقبلاً. وهم يستغلون هذه الميزة في الاجتماعات الرسمية ويتبعون تكتيك الحضور الجماعي في اجتماعات الوزارة من منطلق «وأعدوا»، لإرهاب مناوئيهم.
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw