الليبرالي والجيولوجي
الليبرالي، بشكل عام، هو الإنسان الحر الذي يعمل بما يمليه عليه ضميره، دون تجاوز للقوانين. ويرفض الليبرالي تدخل الدولة في شؤونه، وهو عموما لا ينتمي أو يتعصب لأي جماعة دينية أو مذهبية، ويؤمن بالنظام الديموقراطي، وبحرية الاعتقاد ويناصر حقوق الإنسان بقوة. ولم يكن مستغربا بالتالي، خاصة في مجتمعات العالم الثالث، تعرض تسمية الليبرالي للمضايقة، تبعا لدرجة تخلف المجتمع. كما تقوم الجهات المتشددة دينيا، وخاصة الزائفة منها، بنعت الليبراليين بأشنع الصفات، وكيف أنه غير ملتزم أخلاقيا، ولا يؤدي واجباته الدينية، ويجيز ما لا تقبله مجتمعاته، وهذا كلام فارغ بالطبع. أما في الجانب الآخر، فإن من المفترض أن الملتزم أو المتشدد دينيا هو عكس الليبرالي، ولا يتوقع ان يصدر عنه فعل غير أخلاقي، ولكن بالنظر لخلفيات مرتكبي الجنح والجرائم، بمختلف أنواعها، نجد أن نسبة كبيرة من خلفيات هؤلاء تعود إما لبسطاء القوم، تعليما وثقافة، او لمتشددين، وليس مهما هنا النسبة، على ضوء الحقيقة التي تنتشر في المجتمعات المتخلفة، ومنها مجتمعاتنا من أن الليبرالي منحل أساسا، والمتشدد أو المتدين ملتزم أساسا! ولهذا نجد الفضائح المالية أو الجنسية للمتشددين دينيا تلقى رواجا أكبر من مثيلاتها المرتكبة من ليبراليين مثلا! والسبب طبعا ان المجتمع المتخلف يفترض أو يتوقع الصلاح والاستقامة من الفئة الأولى، أكثر مما يتوقعها من الفئة الثانية.
***
في الصحافة، قيام كلب بـ«عضّ» شرطي ليس خبرا، ولكن قيام شرطي بـ«عضّ» كلب يعتبر خبرا. وبالتالي كان مثيرا للانتباه ما نشر مؤخرا في الصحافة عن قيام لجنة تحقيق في جامعة الكويت بفصل طالبة بعد ثبوت سرقتها العلمية في مجال «الحديث الشريف»! كما ورد قبلها في وسائل الإعلام المصرية ان الإمارات طلبت من الأزهر إرسال مئة من أفضل رجالها ليعملوا وعاظا وائمة مساجد، فتنافس الكثيرون على البعثة، وتم في النهاية اختيار أحسنهم. وحيث ان الأوضاع في الإمارات ليست «خري مري»، كما هي في الكثير من مؤسساتنا الدينية، فقد قرروا تكليف لجنة تتولى دراسة مستويات المبتعثين لتقرير أماكن عملهم، خاصة ان بينهم من يحملون درجات ماجستير ودكتوراه، ولديهم سنوات خبرة طويلة، وستكون مهمتهم «تعليم» الدين والشريعة والوسطية لشعب الإمارات. كانت النتيجة صادمة، فقد سقط جميع الوعاظ والأئمة المئة في الاختبار، ولم يتمكن أي منهم من اجتيازه.
***
وفي السياق نفسه تقريبا يخوض العالمان، العربي والإسلامي، ما يشبه الصراع الإعلامي والثقافي مع إسرائيل منذ ما يقارب المئة عام، كانت الغلبة فيه غالبا للجانب الإسرائيلي، حتى عندما لم يكن عدد هؤلاء يزيد عند إعلان دولتهم عام 1948 على 600 ألف بكثير، مقابل ثلاثة اضعاف ذلك تقريبا من الفلسطينيين، وبحر من العرب ومحيط من المسلمين، والسبب أننا لم نفهم منذ اليوم الأول ان الصراع حضاري، وليس عسكريا فقط، وأدوات الانتصار التي كانت متاحة لحضارات ما قبل ألف أو ألفي عام قد تغيرت كثيرا، وكل حديث عن تآمر الشرق السوفيتي والغرب الأميركي البريطاني علينا لخلق دولة إسرائيل لا يعدو أن يكون هذراً لا معنى له لأننا لم نتغير او نتقدم حضاريا كثيرا منذ عقود طويلة، فما زال حتى عشرة منا عاجزين عن تشكيل طابور بسيط أمام بائع فول، إن لم يكن هناك من يفرض علينا ذلك.
***
ويقول جيولوجي مصري متكسّب من موضوع الإعجاز، وله عشرات آلاف الأتباع، في احدى مبالغاته الكثيرة، إن هتلر طلب من مساعديه تزويده بمقدمة لخطبة يهز بها الجماهير الألمانية، فنصحه أحدهم، وكان مسلما من أصل عربي (!!) بأن يبدأ خطبته بـ: اقتربت الساعة وانشق القمر! وهذا ما فعله هتلر، وهزت خطبته الجموع! وطبعا صدقت جماهيرنا هذا الخريط من الداعية الأرزقي.
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw