مليارات القذافي وملايين الخُمس
شيئان كانا دائما مثار فضول كبير لدي، مصير أموال القذافي، ومصير أموال الخُمس.
***
شاركت عام 1977 في دورة مصرفية طويلة نسبيا في «وارتون سكول wharton school» بمدينة فيلادلفيا. التقيت هناك بمصرفييّن ليبيين كبيرين، وسمعت منهما قصصا عن غريب أطوار «سي معمر»، قائد الانقلاب العسكري الليبي، أو ثورة الفاتح من سبتمبر! وكانا، كمصرفيين، يستغربان من تصرفات القذافي المالية، ورفضه الصرف على وطنه، أو حتى استثمار ما تحت يده من أموال في مشاريع في الداخل أو الخارج، بخلاف استثمار بسيط في أسهم شركتين إيطاليتين، إيني النفطية وفيات للمحركات والسيارات. بعدها بعشر سنوات، التقيت في لندن، حيث كنت أعيش، برجال أعمال كبار ينتمون في غالبيتهم لدول نفطية خليجية، وغيرها كالجزائر والعراق ومصر، ولكن لم أصادف أو أسمع، حتى اليوم، بثري ليبي معروف على مستوى العالم، ممن اثروا من «البترودولار» أو من عقود المقاولات والتسليح في وطنهم، وكان ذلك دائما أمرا مثيرا للاهتمام ومدعاة للاستغراب. سقط القذافي، غير مأسوف عليه، بعد ان حكم ليبيا منفردا لأكثر من أربعة عقود، وتبين بعد سقوطه أن ليبيا لم تتطور، حتى عمرانيا، في عهده، وبقيت تقريبا كما كانت أيام السنوسي، فأين ذهبت ثروات ليبيا؟ فلا أثرياء ليبيين معروفين، ولا استثمارات ولا صرف في الداخل؟ وما زلت بانتظار الجواب.
***
أما الأمر الآخر المثير للفضول فقد تعلق بمصير ما يجمع من أموال الخُمس، أو نسبة الـ 20% التي يدفعها المقتدرون الشيعة للمراجع الكبار للصرف على شؤون دينهم ودنياهم. وحيث ان الشيعة يشكلون نسبة مؤثرة، بالرغم من كونهم أقلية، فنسبتهم لا تزيد على 20% من مسلمي العالم، فإن ما يدفعونه لمراجعهم لا شك كبير. والخمس يدفع لحساب شخصية دينية وليس لمؤسسة، عن طريق «وكلائهم»! وغالبا ما تؤول أموال المرجع لمن يأتي بعده من ذريته، إلا في حالات قليلة، وللمرجع مطلق الحرية في التصرف بما يتلقى من أموال، وغير ملزم حتى بإعطاء وصل لمن يدفع له. ويمكن القول، بشيء من الحذر، أن لا أحد تقريبا يمكنه الجزم بمصير ما يتم دفعه من أموال للمراجع، ولن أخوض هنا في موضوع أجهله، لكني أتساءل فقط، من باب العلم بالشيء، لماذا لم تتحسن أوضاع المدن التي يوجد بها المراجع الكبار منذ عشرات السنين؟ ولماذا تفتقد جميعها، وحتى سنوات قليلة وربما حتى الآن، لأكثر الأمور أهمية من شوارع نظيفة ونصف جيدة، وفنادق ومطاعم مقبولة ودورات مياه معقولة، دع عنك النقص الرهيب في دول العلم والاستشفاء؟ وهذه الظاهرة نجدها تقريبا في كل مدن العراق، وفي الشام ولبنان وإيران، ولو ان أوضاع المدن الأخيرة تغيرت في السنوات القليلة الماضية مع زيادة السياحة الدينية، وما أصبحت تدره على الحكومة من أموال طائلة. سألت بعض كبار رجال الأعمال الشيعة، الذين لا يزالون، تأسيا بآبائهم وأجدادهم، على عادتهم في «إخراج الخمس»، عن مصير ما يدفعونه، فقال بعضهم ان هذا ليس مطلوبا منهم. وقال آخرون انهم لا يزالون يخرجون تلك النسبة، ولكنهم يقومون بالتصرف بها حسب معرفتهم، وأنهم قاموا وغيرهم ببناء المستشفيات والمدارس من أموال خمسهم في المدن الشيعية الفقيرة، التي «تمتاز» بارتفاع نسب البطالة فيها، والتي تفتقد أشياء كثيرة. ويبقى السؤال: أين تذهب كل تلك الأموال التي يقال إنها بمئات الملايين؟ علما بأنني لم ألتق أو اعرف أو أسمع بمن استفاد بشكل «خيالي» من أموال الخمس، بخلاف مظاهر الثراء التي نراها على أبناء أو أحفاد بعض رجال الدين الكبار وانسبائهم، متمثلة في الأمور المادية، من سيارات وبيوت وغالبا في العواصم الأوروبية، ولكن جميعها، على كثرتها، لا ترقى لمستوى المبالغ التي يدور الحديث حولها. volume 0% وبالتالي أتمنى أن أعرف، قبل ان تقتلني الكورونا، مصير أموال القذافي من نفط ليبيا على مدى 42 عاما؟ وأين ذهبت أموال الخمس على مدى السنوات الخمسين الأخيرة، على الأقل؟
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw