قفاز بدر البحر
«رمي القفاز» حركة يقصد بها مطالبة الخصم للمبارزة، والتقاط الطرف الآخر للقفاز يعني قبوله التحدي، أو انسحابه... بذلّ!
***
كتب مبارك الدويلة قبل أيام مقالا وجهه للزميل بدر البحر، كال فيه المديح له على حسن خلقه وجمال منطلقاته، وأنه ليس كغيره، ففيه صفاة المسلم المصلي و«المسمي». واستغرب الدويلة من قيام البحر بفتح ملف العمل الخيري والخوض في ما خاض فيه غيره (هذا يعني ان الملف يجب أن يبقى مقفلا)، وكيف ان العمل الخيري منذ تفجيرات سبتمبر 2001 هو تحت الرقابة الدولية! وبعد سنوات من التشدد في رقابته لم يكن أمام مؤسسات الأمم المتحدة والجهات الرقابية كوزارة العدل ووزارة الخزينة الأميركية والبنك الدولي الا أن تمنح هذه الجمعيات الخيرية شهادات تزكية وتبرئة من أي تهم وشكوك وارتباط بالعمل الإرهابي (وهذا هراء!). كما اتهم الدويلة الزميل البحر بأنه تأثّر ببعض ما يثيره خصوم العمل الخيري، عندما كرر بعض ما يرددونه من دون دليل، بربطهم العمل الخيري بالعمل الحزبي، وكيف استُعملت أمواله لدعم بعض الحملات الانتخابية (ألا نعرف كلنا هذه الحقيقة؟). كما رفض الدويلة طلب الزميل بدر المتعلّق بنشر ميزانيات الجمعيات واللجان الخيرية «للعامة»، بحجة انها موجودة عند الشؤون ولم يطلب أي متبرع الاطلاع عليها (ولا أدري كيف عرف ذلك، وهناك 60 جمعية خيرية ومئات آلاف المتبرعين؟).
***
قبل التطرق لرد الزميل البحر على الدويلة دعونا نوضح أن مؤسسات الأمم المتحدة والجهات الرقابية الأميركية مثل وزارة العدل والخزانة والبنك الدولي لم تقم قط بإصدار شهادات تزكية للجمعيات الخيرية وتبرئها من تهم الارتباط بالأنشطة الإرهابية، كما ادعى الدويلة. وإن قدم دليلا على ادعاءاته، فإنني سأعتزل الكتابة، وإن فشل فعليه الاعتراف بعدم صحة ما ذكر، ولن نقول ما كذب.
***
رد الزميل البحر على الدويلة كان مفحما، وواضحا في بساطته، حيث ذكر انه طالب دائما بأن يتم العمل الخيري بشفافية وأن تعلن الجمعيات علنا عن النسبة التي تستقطعها من التبرعات، وذلك لغرض «إضفاء المزيد من الثقة» على المؤسسات الخيرية، التي اصبحت تدير أموالاً ضخمة تتطلب مزيداً من معايير الرقابة. فهناك ضبابية في ما يتعلّق بنسب الاستقطاعات، وعدم وضوح في غير المنجز من المشاريع وعدم معرفة بمصير الفوائض. كما أن المتبرعين على غير علم غالبا بنسب العمولات، خاصة أثناء المواسم، التي يحظى بها المسوقون الذين نسميهم «فاشينستات العمل الخيري». كما أن بعض العاملين بالجمعيات، الذين، برأينا، لا يستحقون أي عمولة، فأنشطتهم هي أساسا من صلب عملهم. كذلك هناك تداخل ملكية بعض مشاريع الجمعيات مع الأوقاف ومع العاملين فيها، وهذا كله، إضافة إلى أمور عدة بحاجة إلى معايير محاسبية إدارية وتنظيمية تتطلب من القائمين على العمل الخيري قبولها من منطلق «لا تبوق ولا تخاف». وهنا رمى الزميل البحر «قفاز التحدي» على الدويلة وطالبه بدفع الجمعيات للالتزام بقواعد الحوكمة المؤسسية، وإعلان البيانات المالية المفصلة، وتقديم كشوف إقرارات الذمة المالية للعاملين في الجمعيات، كما هو حال قياديي الدولة. وقال إن مطالبته لا تمثل تشكيكاً بالذمم بقدر ما هي إبراء لها، فالعاملون في الجمعيات ليسوا ملائكة لنعطيهم الحصانة. فهل سيلتقط السيد الدويلة القفاز، أم سيتركه مرميا على الأرض، دلالة على رفض التحدي؟
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw