التاجر المجرم.. وأكل القش!

عند كل أزمة اقتصادية أو أمنية ينفجر بركان الغضب ضد فئات في المجتمع، ومن هؤلاء «التجار»، أصحاب رؤوس الأموال، وينتشر استخدام أوصاف؛ كالتاجر الجشع أو الفاسد، وهذا ليس غريباً، فكما أن هناك طبيباً فاسداً وقاضياً فاسداً ومحامياً فاسداً وقصّاباً فاسداً، فهناك أيضاً تاجراً فاسداً؛ فهذه طبيعة المجتمعات منذ الأزل. فالتاجر قد يكون فرداً أو أفراداً أو شركة، وينحصر دوره في شراء السلع من مصادرها، جملةً، وبيعها نقدا أو بالأجل بالمفرق أو بكميات لآخرين، من تجار أو مستهلكين نهائيين. عملت منذ الصغر في التجارة، وتشرّبت بأخلاقياتها على يد والدي وجدي وشركائهما ومن كانوا يجالسونهما من أمثال: ملا يعقوب بن يوسف، ناصر الصقعبي، محمد الوزان، وأحمد المحميد وصالح البصيري، وغيرهم. الإحساس بجشع التجار، خاصة في الأزمات، لم يأتِ من فراغ، خاصة أن العامة يرون ما يحققه بعضهم أحياناً من أرباح فاحشة، وما يلجأون إليه من طرق لرفع الأسعار أو احتكار المواد. وهم بالتالي يرون الأمثلة السيئة ولا يرون الشرفاء من التجار، ولا يكترثون عادة بمعرفة المخاطر التي يتعرّض لها التاجر. فكم موظفاً أُصيب بعسر مالي وأودع السجن؟ لا أحد؛ فالموظف، وصاحب المهنة لا يعلنان افلاسهما ولا تلتصق بهما الوصمة للأبد. ولو نظرنا للتأثيرات السلبية العنيفة لكارثة «الكورونا» في موظفي الحكومة، مثلاً، لوجدنا أنها بالكاد تُذكر. ولكن من جانب آخر، نجد أن مئة ألف تاجر سيعلنون إفلاسهم ويفقدون كل ممتلكاتهم ومدخراتهم قريبا، مع احتمال تزايد أعدادهم مع استمرار الأزمة، فهل سنستمر في كراهية التجار؟ لقد قمت وغيري بالاستمرار في صرف رواتب مئات الآلاف من الموظفين والعمال طوال الأشهر الثلاثة الماضية، فهل نحن مجبرون على ذلك، لولا شيء من الوفاء والإخلاص لمن شاركنا يوما في السرّاء،؟ فكيف نتخلّص منه في الضراء؟!

* * *

لا أرغب بالفعل في النزول إلى مستوى الرد على جهلة مفترين، حاولوا النيل من سمعتي، ونشر أكاذيب عن تدخّلي في الشأن الحكومي، وتغيير أسعار بعض المواد، وفرض عرضها في منافذ التموين ثم سحبها، فكل ذلك هرج لا معنى له، ومن يعرف شيئا يمكن أن يدينني، خاصة أولئك الذين يكنّون لي كمّا كبيرا من الكراهية، ويسكتون عن إبلاغ السلطات؛ فإنهم كالشيطان الأخرس.. والحقير! الطريف في الموضوع أن من اختار مهاجمتي والتقليل من قدري عليه الكثير من «المقاضيب»، وسمعته أصلا ليست خالية من الخدش والحفر والنفر، ولا أدري لماذا تذكرت أحد كبار موظفي جهة حكومية، كثر الفساد حولها لعقود، قبل ان يخلصها مهندس شاب من كل ما لحق بسمعتها من سوء، وجعلها بالفعل جهة حكومية نموذجية يقتدى بها؟ قضى ذلك الموظف سنين طوالاً في منصبه، وكان مثال الإنسان المتفاني في عمله، المؤدب والخلوق. كان يشتهر بميله للانزواء وبعده عن القيل والقال، واختياره الصمت وعدم الرد على أحد، وكل ذلك جعله موضع احترام ومحبة الكثيرين، خاصة أنه كان إنسانا متقشّفاً في حياته، نادرا ما يزور الدواوين، أو يُزار من أحد، ثم حان ما لا مفر منه، بعد أن دفعه الزمن للتقاعد من وظيفته المرموقة. لم يمر وقت طويل على تقاعده حتى بدأت مظاهر الثراء تظهر عليه، لكنه لم يعش طويلا للتمتع بما كان يمتلك، ولكن ورثته أكملوا مشوار نبش ثرواته التي كان يجمعها طوال سنوات بصمت، وقاموا بشراء مصالح عدة تجارية مربحة، وكوّنوا إمبراطورية لا بأس بحجمها.

* * *

وبالتالي، لو كنت مكان شيبوب، الذي كنت أعتقد يوماً بذكائه، بكل ما في سيرته من سوء، لاخترت العمل بهدوء، بعيداً عن الطعن في الآخرين، والنيل من فلان وتشويه صورة علان، وتأليبهم ضدي، ولاكتفيت بأكل القش والتزام الصمت.

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top