قوة القصبي.. ودوره الخطير
تعد «المثلية» نوعا من التصرف الذي يدفع صاحبه للانجذاب، وغالبا لا شعوريا، لنفس جنسه. وقررت مجتمعات أن المثلية هويّة يشعر بها الإنسان بناءً على ميوله والتصرفات المصاحبة لها، وكونه جزءا من مجتمع يشاركه في مشاعره وميوله، وهي بالتالي ليست مرضا. وبالرغم من أن العلم الحديث أثبت أن «المثلية» هي غالبا نتيجة طبيعية، فإن غالبية المجتمعات، ولأسباب دينية غالبا، ترفض هذا التفسير أو التبرير وتحكم على هذه الفئة بالفناء، أو الانزواء، وإنكار وجودها في المجتمع. كما ترفض سلطات دول عدة السماح لمن يعانون من «تشوهات أو تغيرات» جنسية إجراء أي عمليات جراحية يتطلبها تحولهم للجنس الآخر، وإن أُجريت في الخارج فإنها ترفض الاعتراف بها. وبالرغم من وجود فارق بين المثليين جنسياً وبين الذين يشعرون بأنهم ينتمون لغير الجنس الذي ولدوا على أساسه، أو الترانسجندر، فإن غالبية المجتمعات المتخلفة تضعهم تحت تسمية «مهينة» واحدة. قمت قبل سنوات بكتابة مقال دافعت فيه عن حقوق «المثليين»، المهضومة، وعددتهم ضحايا مجتمعاتهم، ولكن رأيي لم يعجب حينها أحد السخفاء من «أدعياء التدين»، الذي سبق أن تسبب في قتل مواطن ضربا، لإخراج الجن منه، ولكن انتماءه لأحد الأحزاب الدينية أنقذ رقبته، وتاليا أخرجه من حبس الـ«عشر سنوات»، فوصفني بما أعتقد في حينه أنه وصف شائن!
***
يعد الفنان كبيرا عندما يكون صاحب رسالة في وطنه أو مجتمعه، والفنان السعودي ناصر القصبي، هو أحد هؤلاء، وحامل لواء الدفاع عن الحريات ضمن حدود وطنه، المؤثر في محيطه، وفي خارجه، وكان القصبي لسنوات طوال هدفا لهجوم المتشددين، ولولا وقوف القيادة معه منذ سنوات لفتكوا به. يدعو القصبي للانفتاح على الآخر، واحترامه، وإبراز الجانب السمح في مجتمعاتنا. وكثيرا ما غامر في الدخول في مناطق يعدها الكثيرون محرمة، واتبع ذلك مع حلقات «طاش ما طاش» الشهيرة، كما كان له دور مهم وخطير في نقد وتعرية فكر «داعش»، الأمر الذي دفع غلاة رجال الدين لإصدار فتوى عام 2000 تحرم بث المسلسل، ولكن ذلك التصرف لم يثنه عن الاستمرار في رسالته. ثم عاد هذا العام بمسلسل «مخرج 7»، بعد نجاحه العام الماضي في مسلسل العاصوف، الذي تعلق بملابسات احتلال الحرم المكي من قبل جماعة جهيمان العتيبي، حيث قام من خلال مسلسله الجديد بتسليط الضوء على الكثير من التغيرات المتلاحقة التي طرأت على المجتمع السعودي خلال السنوات الأخيرة، وانعكاساتها على أسرة سعودية من الطبقة الوسطى. وقام كاتب النص بالتطرق لأول مرة لقضية المثليين في المجتمع السعودي، في سابقة رائعة، ومن خلال عمل جماهيري بهذا المستوى، ومناقشة أحقيتهم في العيش في مجتمعاتنا «المحافظة»، وكل ذلك في قالب كوميدي ساخر، مع التركيز على انقسام آراء المجتمع حول أحقيتهم في العيش بيننا. وعدَّ الكثيرون أن التطرق لمثل هذه المواضيع الجدلية الخطيرة يعد، بحد ذاته، نصرا للحرية والانفتاح.
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw