«أن تقرأ لوليتا في طهران»!
على الرغم من إعجابي بالتجربة الاقتصادية التركية، ذات الأسس والمنطلقات العلمانية البحتة. وعلى الرغم من كل محاولات قيادتها ربط الأمور بتصورات دينية، ومع تقديري لحيوية وجهود الشعب التركي ولما حققه من نهضة سياحية وصناعية لا يمكن تجاهلها، فإن الحكومة التركية لم تستطع، مع زيادة تصاعد قوتها السياسية والعسكرية والاقتصادية، من مقاومة الرغبة في التدخل في شؤون غيرها من دول قريبة وبعيدة، مثل سوريا وليبيا وقواعد في قطر وغيرها. وكان منظر الرئيس التركي أردوغان، وهو يقف بوجوم أمام الباب الموصد لمكتب الرئيسي الروسي بوتين مؤثرا، ومنظرا ثقيلا على النفس حتى لمن لا يكن أي اعجاب لأردوغان، وأعتقد أن تداعيات الوضع العسكري في سوريا، وازدياد التورط التركي في وحول الحرب السورية، وخسائرها الأخيرة هي التي دفعته لذلك الموقف، وكان حريا به التفرغ لنهضة وطنه والمساهمة في زيادة رخائه.
***
المأزق التركي في سوريا وغيرها، وما تتعرض له من نزيف مالي وبشري وخسائر سياسية لا يختلف كثيرا عن المأزق الإيراني. فإيران، بمواردها الضخمة، وتميزها عن تركيا بإنتاجها الكبير من البترول، ومساحتها التي تبلغ ضعف حجم تركيا، وزيادة تقارب %50 في عدد السكان كان من الممكن أن يجعلها بسهولة قوة اقتصادية كبيرة في المنطقة لو تفرغ قادتها، خلال السنوات الأربعين الماضية، للاهتمام بها داخليا وتنمية مواردها، ولكن الرغبة في بسط النفوذ، كما حصل في تركيا، وإن بدرجة أقل، دفعها للمغامرة في سوريا واليمن ولبنان والعراق وغيرها، وكأن هذه الدول، المنهكة والمفلسة والضعيفة والمليئة بالفساد، ستضيف شيئاً لإيران أو لصورتها في العالم، وكانت النتيجة أن إيران انعزلت تماماً مع رفضها كل دعوات الحكمة والتعقل والبعد عن المزايدات والعنتريات المذهبية، وقصص الإيمان المطلق بالخلاص القريب مع اقتراب نهاية العالم. وربما كانت الكويت الدولة الوحيدة التي مدت يد المساعدة الرمزية لها لانتشالها من الضائقة الصحية والمالية التي تعانيها نتيجة الحصار العالمي عليها، والأميركي بطبيعته. لقد أتعبت «كورونا» الجميع، وعلى الدول «المارقة» العودة إلى جادة الصواب والتفكير في أمن شعوبها ورفاهيتهم وسعادتهم بدلاً من البحث عن مناطق نفوذ وهمية لا تعني في نهاية الأمر شيئاً ولا تمثل غير عبء مادي وعسكري يشكل نزيفاً هائلاً لموارد الدولة، خاصة على ضوء تدهور البنية الصحية والاقتصاد لها، وهروب كل الكفاءات منها. كما أن ما تصرفه إيران على بناء ترسانتها الحربية، من الأموال التي يحتاجها الإيرانيون لشراء الغذاء والدواء، يمكن أن يتحول إلى رماد بضربة عسكرية واحدة، وتجربة صدام عام 2003، وأردوغان أمام مكتب بوتين خير دليل على خواء صواريخهما البالستية. إن إيران ليست بحاجة لأن تتمدد لطرطوس وحمص أو تعز وصور، والبصرة، بقدر حاجتها لأن تتواجد في دسفول وكرمانشاه وعبادان والأهواز، وعشرات المدن الفقيرة الأخرى التي يئن سكانها تحت وطأة العوز والفاقة. قراءة رواية «أن تقرأ لوليتا في طهران» لآذر نفيسي، ستعطي قارئها شعوراً بأن تحطيم نفسية المواطن الإيراني، وكرامته، سبق بكثير تحطيم اقتصاد الدولة.
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw