الصندوق.. وجوع عشرات الآلاف
في بداية أزمة كورونا، أعلن مواطنون وشركات ومؤسسات مدفوعة بحب الوطن وإنكار الذات، تجاوبها مع متطلبات المرحلة، وبالتالي سعت لتقديم ما يمكن تقديمه، ولو بشكل رمزي، لدعم جهود الحكومة ماديا في مواجهة ما سيترتب عليها من التزامات مالية هائلة، وذلك بالتبرع لصندوق يخصص ريعه لهذا الغرض. توالت التبرعات، وكان لتبرع المقام السامي دوره الإيجابي في زيادتها، وكانت لي مشاركتي المتواضعة في هذا الجهد، بالرغم من الخسائر المالية التي تعرضت لها كل أعمالي نتيجة الإغلاق القسري، والاستمرار في الوقت نفسه بدفع كل ما علي من التزامات مالية كبيرة للغير داخل الكويت وخارجها، بما في ذلك كامل رواتب العاملين، حتى تاريخ كتابة هذا المقال. فجأة، ونحن في أوج صراعنا كأفراد ومؤسسات وحكومة مع الكورونا، الذي بلغ الذروة، مع عدم ظهور أي علامات على قرب انتهاء محنتنا، قررت الحكومة، استجابة لرغبة سامية جميلة، مكافأة من وقفوا في الصفوف الأمامية في حربنا ضد الوباء. الرغبة كانت شيئا والتنفيذ والإخراج كان شيئا آخر، نزع عن المبادرة الكريمة كل الصفات الطيبة والهدف المرجو، حيث تحولت الى أداة هدم للروح المعنوية لكثير من الذين شاركوا في مقاومة هذا الوباء في الصفوف الأمامية من أطباء وهيئة تمريضية، ورجال ونساء الدفاع المدني أو العسكري وغيرهم من آلاف المتطوعين، ومن فئة البدون، الذين شارك الكثير منهم بإخلاص وتفان في أعمال مقاومة الوباء والحد من خطورته، بحيث انقلبت الفكرة الخيرة بعكس ذلك، مع ارتفاع التذمر من الجهات التي تم استثناؤها، خاصة أن الكل كان منهمكا تماما في عمله الوطني التطوعي دون انتظار لمكافأة أو ثناء على تصديهم للخطير من الأعمال. وأصبح اهتمام جزء كبير من هؤلاء منصرفا لأمور جانبية مادية بحتة تتعلق بالمبلغ الذي سيدفع لهم، وكيف؟ ومتى؟ والأخطر من ذلك انتشار تساؤلات عن سبب استثناء فئات عملت في الخطوط الأمامية، بحرمانها من المكافأة دون منطق أو عدالة. وبالتالي لم يكن مستغربا قيام مسؤولين كبار (في الحكومة) بنشر مناشدات في وسائل التواصل يطلبون فيها «من الحكومة»، أو رئيسها، اعتبار موظفي الجهات التي يمثلونها، كالإعلام أو الجمعيات التعاونية، على سبيل المثال وليس الحصر ضمن المكرمين!! قرار الحكومة غير الحصيف في توقيته، والتبذير الذي سيتبعه دون معنى، وما سيلحقه من صرف مئات ملايين الدنانير للفئات التي سيعاد النظر فيها تاليا، خاصة أننا لا نزال في بداية حربنا مع الوباء، ومنظر آلاف العمال المساكين والجياع، وهم يهربون بهلع ويأس، قبل أيام من مناطق الحظر الجديدة، ذكرني بتبرعي الكبير، من وجهة نظري وإمكاناتي، لصندوق دعم الجهود الحكومية، وقلت لنفسي لو كان التبرع على قاعدة «كيف الباطول» لطالبت مجلس الوزراء بتوجيه مبلغ التبرع لـ«جمعية الصداقة الإنسانية»، لنقوم بصرفه على هؤلاء العمال الذين انقطعت بهم السبل، والذين يعانون كل أنواع الضنك، وسيبقى وضعهم البائس على حاله لأشهر لا يمكن الجزم بعددها، وهم أولى بالمساعدة من ذهاب التبرع لصندوق الحكومة الذي لا نعرف كيف سيتم التصرف برصيده. كما من المؤسف ملاحظة كل هذه الأعداد الكبيرة من العمالة البسيطة الجائعة، مع ملاحظة عدم تحرك الجمعيات الخيرية المتخمة بالأموال، وخاصة تلك التي تتبع أحزابا سياسية، لتقديم يد المساعدة لهؤلاء.
***
والمؤسف ملاحظة أن حتى اتحاد «ديوان السبيل»، أو الجمعيات الخيرية، طالب بأن يكون أعضاءه ضمن مستحقي منحة الصفوف الأمانية (!!) أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw