البرامكة والمصريون

واهم من يعتقد أن من يقدم خدمة لطرف ما يعني ارتهان المخدوم لمن خدمه، فتقديم خدمة للآخرين تنبع من حاجة في النفس، قد تكون ظاهرة للمعطي ويعرفها، أو لاشعورية. فمن تبرع لنا في جمعية الصداقة الإنسانية لا يعلم لمن ستذهب تبرعاته، ومن دفعنا لهم لا نعرفهم، وحتما لا يعرفون من نحن! فنحن نساعد الغير لأن ذلك يجعلنا بشرا أفضل، ويتقبل الغير المساعدة المقدمة لهم لحاجتهم لها، ولأنها تمنحهم شعورا بالامتنان، وبأن في الدنيا خيراً! وبالتالي يجب ألا نتوقع معاملة مميزة، ككويتيين، عندما نزور دولة سبق أن منحتها حكومتنا مساعدات أو قروضاً، فتلك الدولة لم تجبرنا على ذلك، بل قدمنا المساعدة لأسباب ومنطلقات عدة. الشيء ذاته ينطبق على من يساعد أخاه وينتشله من عثرة مالية مثلا، ليس لكي يجعله مدينا له أبد العمر، بل لأن هناك صلة رحم، ورغبة في المحافظة على سمعة العائلة، وغير ذلك. فقوة البعض من قوة بقية الأسرة، والعكس صحيح. وعندما يقول المصريون إنهم ساعدونا، ولا يزالون، فهذا لم يأت قسرا، بل تم برضى الطرفين، ولاعتقاد قيادتهم أننا جزء من منظومة عربية، ضعف احداها يؤدي الى ضعف الأخرى، على افتراض طبعا أنهم قدموا ما لم يقدمه الآخرون. ولا أتذكر أنني قرأت يوما ولأية جهة رسمية تحترم نفسها، أن الكويت ساعدت في «تعليم» طلاب الإمارات، أو علاج مواطنيهم. وعليه يجب التوقف عن تعداد أفضال بعضنا على البعض الآخر، فلا أحد أجبرنا على الصرف على تعليم أو علاج غيرنا، أو تمويل مشاريعه، أو مساعدته عسكريا ومعنويا، بغير قبول تام وواضح منه.

***

واهم من لا يعتقد أن لدينا مشكلة عميقة تتعلق بالتركيبة السكانية، أو أن الجزء الأكبر من المشكلة يكمن في الجالية المصرية. وواهم من يعتقد أن هناك حلولا سهلة للمشكلة، وان الأمر لا يحتاج لغير قرار. فأي تصرف غير مدروس ومتعجل ستكون له تداعيات سياسية ومالية وأمنية عميقة، ويجب أن نعرف جيدا قدراتنا، من دون المس بحريتنا في اتخاذ ما نشاء من قرارات، وبكرامتنا كشعب وكدولة مستقلة. في مقابلة قيّمة للكابتن سامي النصف على «الجزيرة»، ذكر في معرض مقارنته وضع المواطنين العرب العاملين في الدول الخليجية، مع أمثالهم من الآسيويين، بأن كل مئة آسيوي بحاجة الى شرطي واحد. أما العرب فكل واحد بحاجة الى مئة عسكري، لأنهم مسيسون! وبالتالي ليس سهلا أبدا حل مشكلة الأعداد الكبيرة، وبالذات السائبة والمخالفة، من العمالة المصرية بالذات، دون مساعدتهم في إيجاد حل لأوضاعهم. كما أن القضية لن تنتهي بترحيل مئة أو مئتي ألف منهم، إن لم تكن لدينا بالفعل خطط إحلال بديلة، أو قدرة على منع عودتهم مستقبلا. كما أن المشكلة والخطورة قد لا تكمن في هؤلاء، بل في قلة متنفذة. فالعديد من المرافق الحيوية تعتمد بشكل أساسي على الخبرات المصرية. ومكاتب المحامين بالكاد تخلو من «مستشار» مصري. ولا توجد إدارة مهمة في أي وزارة او جهة حكومية ليس فيها «مستشار» مصري، وغير ذلك، وهم يؤدون دورا حيويا لا يمكن الاستغناء عنه بسهولة. ويجب أن تكون لدينا خطة «ب» جاهزة في جميع الأحوال. كما على الحكومة أن تعرف أن دور المستشار هو إسداء النصيحة، من واقع خبرته، وليس تطويع القوانين والنصوص لتخدم أهواء المسؤول. المؤلم أننا، حكومة وشعبا، سبب مشكلة التركيبة السكانية وليس الجاليات العاملة بيننا. فقد فشلنا تعليميا وسياسيا وإداريا في خلق الكوادر لأكثر الوظائف تعقيدا وخطورة، لأننا فشلنا قبلها في إيجاد ما يكفي من المهارات البسيطة في الصناعات النفطية ومصافي المياه، وتركنا هذه المرافق، ومصيرنا، بيد الغير، وخرّجنا في الوقت نفسه عشرات آلاف «الخبرات»، شبه العاطلة، في المعاهد والكليات الدينية، ومن مدرسي الرسم والتربية البدنية. volume 0% إن كويت 2020 ليست الدولة العباسية في القرن السابع، والمصريون ليسوا برامكة، ولكن من الضروري فعل شيء لضبط الوضع، فالإخوان سيستغلون الخلافات بين الدولتين حتما، وسيدفعون بالأمور للهاوية، ويجب الحذر من جرائمهم بحق الشعبين والبلدين.

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top