في رقبة أم عبدالعزيز
«بلغني أن كثيراً من الناس اليوم (يوظفون) أنفسهم، فيجمعون أموال الزكوات من الأغنياء لكي يصرفوها على الفقراء، ثم (يوظفون أنفسهم) ويجعلون لهم راتباً من الأموال نفسها بحكم أنهم (من العاملين عليها)! ونحن نقول إن هذا استغلال غير جائز شرعا، وغير شريف خلقا، لأن المقصود بالعاملين عليها هم الموظفون الذين تعينهم الدولة، وليس من يوظفون أنفسهم»!
***
لست أنا قائل هذا الكلام، ولا أي من الاساتذة بدر البحر أو بسام العسعوسي أو علي البغلي، ولا حتى السيد محمد غريب حاتم، أو محمد العويهان، بل كلام رجل دين معروف هو محمد ناصر الدين الألباني (1914 ـــ 1999)، الذي يعتبر إماما كبيرا في نظر الكثيرين، وله مؤلفات مهمة ومكانة وشأن كبير في دول إسلامية عدة. وكلامه يعني أن من الخطأ، خلقا ودينا ومنطقا، قيام شخص أو مجموعة من الأشخاص بتكوين كيان مالي خيري لجمع أموال المحسنين، ومن ثم استقطاع نسبة لأنفسهم من أموال الزكاة، وبالتبعية بقية التبرعات، وصرف الباقي على أعمال الخير. وبصرف النظر عن اتفاق بعض مديري الجمعيات الخيرية أو «أصحابها» مع وجهة نظر «الألباني» أو خلافهم الفقهي معه، إلا أن ما قاله يحمل الكثير من المنطق والصحة، ويفسر سبب وجود كل هذا العدد من الجمعيات الخيرية التي أحل الكثير من القائمين عليها استقطاع تلك النسبة الفاحشة من أموال الخيرات لجمعياتهم. كما أيدت فتاوى عدة، من الأزهر ومن الإفتاء في الكويت، ومن رجال دين في السعودية والكويت وغيرهما، حرمة قيام البعض «بتوظيف انفسهم» ومن ثم جمع المال واستقطاع نسب كبيرة من تلك التبرعات لمصلحتهم. وبالتالي من الخطورة ترك الأمر للجان والجمعيات والمبرات الخيرية لتقوم بعملية تقويم نفسها، ووقف استقطاع هذه النسبة التي يسيل لها اللعاب، خاصة بعد أن تعودوا على «خيرها» لما يقارب الستين عاما. وعليه مطلوب من الحكومة، ممثلة بوزارة الشؤون، التدخل ووقف هذه المهزلة بالقوة. فليس هناك من يعتقد حقيقة أن إدارة جمعية خيرية يتطلب استقطاع هذه النسبة الفاحشة. علما بأن جمعية الصداقة الإنسانية، ذات الموارد المحدودة نسبيا، لا تستقطع اي نسبة من أي تبرع، كما أن جمعية الهلال الأحمر، الأفضل والأكثر نشاطا في أعمال الإغاثة لا تستقطع غير نسبة %1 من أموال التبرعات لتغطية مصاريفها الضخمة. ولا يقوم بيت الزكاة، الجهة الوحيدة المخولة قانونا وشرعا لقبول وتحصيل الزكوات، باستقطاع شيء لنفسه. وبالتالي يجب التفكير جديا في وضع نظام جديد يحكم عمل الجمعيات الخيرية، بعد ان فاحت رائحة بعضها، وكثرت مخالفات غيرها، وسنسمع المزيد مستقبلا. وعليه نقترح، قبل فوات الأوان، على الجهات المعنية تنظيم عملية نسبة «القائمين عليها» لتكون خاضعة للأسس والاشتراطات التالية: 1 ــ تحديد نسبة الاستقطاع بحيث لا تزيد على 3 في المئة من مبلغ التبرع. 2 ــ يتم استقطاع نسبة القائمين عليها بعلم المتبرع، وبموافقته الخطية، وتشمل كل مبالغ التبرع من ألف دينار فما فوق. 3 ــ عدم قبول أي تبرع من دون موافقة المتبرع على الجهة المرخصة التي سيتم توجيه أمواله لها، وأخذ موافقته الخطية على ذلك. 4 ــ منع تلقي أي من أعضاء مجلس إدارة الجمعية الخيرية لمكافآت أو رواتب أو علاوات. 5 ــ منع تعيين أقرباء أعضاء مجلس الإدارة في الجمعية كموظفين، وفي أي درجة وظيفية. 6 ــ منع استئجار أي مقار أو مكاتب للجمعية تعود ملكيتها لأقارب من الدرجة الأولى لأعضاء مجلس الإدارة أو لكبار الموظفين فيها. 7 ــ قيام أعضاء مجلس الإدارة في نهاية السنة المالية بإبراء ذمتهم من اي تعاملات لهم مع الجمعية. كل هذا غيض من فيض مما يمكن القيام بها لمنع التلاعب في أغلب الجمعيات، فجاهل، أو مستفيد، من يعتقد أن من الممكن ترك كل هذه المليارات، دون مبالغة، بيد مسؤولي الجمعيات، والاعتماد على تدقيق الوزارة المتأخر، وذمة «القائمين عليها»!! إن مصير أموال الخيرات برقبتك يا معالي الوزير، أم عبدالعزيز، ولا تنخدعي بمعسول كلام ديوان السبيل، فهم أصحاب مصلحة مباشرة.
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw