هل هو نفاق حكومي أم تخبط؟

النفاق هو أن تقول شيئا لجهة ما ولا تؤمن به، أو أن تظهر عقيدة، وتبطن ما يخالفها. أما التخبط، فهو القيام بالفعل ونقيضه. فعندما تقوم الحكومة باستثمار أموالها في شركات عالمية، وتستعين بخبرات شركة منافسة لها، فإن هذا يعد تخبطا، وقلة دراية. وعندما تقوم الحكومة بمهادنة التيار الديني المتشدد، ثم تقوم بإصدار قرارات مخالفة لتوجهات هذا التيار، فإن هذا لا يعتبر مهادنة، بل نفاقا نبرأ بحكومتنا منه! فقد أعلنت الحكومة رسميا، على لسان النائب العام، تعيين 8 سيدات قاضيات، في سابقة تاريخية طال انتظارها. واعتبر القرار تتويجا لجهود المرأة، وسدا لفراغ قضائي. ووصفت السيدة لولوة الملا رئيسة الجمعية الثقافية النسائية القرار بأنه يضع الكويت في مصاف الدول المتقدمة، وهذا بالضبط ما لا تريده قوى الظلام! بدوره، قام عثمان الخميس، المعروف بتشدد آرائه، وسذاجة المواضيع التي يلهي بها مستمعيه بالتعليق على الخبر قائلا: «.. لا يجوز أن يكون الحاكم امرأة.... ولا يجوز أن تتولى المرأة القضاء، لأن المرأة شهادتها نصف شهادة الرجل فكيف تكون قاضية أصلا؟ فإذا كانت شهادتها بالنصف في بعض المعاملات وفي الحدود لا تقبل شهادتها أصلا، فكيف تصبح قاضية؟ وأقول هذا ليس «تنقيصا» في المرأة، بل لأن المرأة عاطفتها تغلبها، ولا تصلح بالتالي لأن تكون ولية أمر المسلمين.......»! ***

من حق هذا الداعية «الرجل» الذكر أن يقول رأيه في هذا القرار المستنير، ولكن كيف تجيز الدولة لنفسها فتح المجال له لانتقاد القرار والحط من قدره علنا وفي الوسائل الحكومية، واعتباره مخالفا للشرع؟ ماذا سيكون موقف البسطاء والسذج من قرار تعيين قاضيات وهم يسمعون كلام هذا الداعية، من خلال أجهزة الدولة؟ ألا يحق لهم اتهام الحكومة بالازدواجية والتخبط، ومهادنة التيار الديني المتشدد من جهة، وتوجيه الصفعات له من جهة ثانية؟ وماذا سيكون عليه موقف السيدات القاضيات، وهن يسمعن من يطعن في صحة تعيينهن، من الناحية الشرعية، ويأتي الكلام ممن له ما يشبه الحظوة الحكومية؟ أسئلة بحاجة إلى التصرف بحكمة ازائها، وهي تبين الحاجة لوضع حد لتعدي هؤلاء على أسس الدولة، وقوانينها، والتوقف عن التصرف وكأننا أمة قاصرة، ولا تفهم، وهم الولاة علينا. كما بيّن قرار التعيين تناقض مواقف الإخوان المسلمين، للمرة الألف. فقد بارك ممثلهم في مجلس الأمة محمد الدلال بتعيين القاضيات، معتبرا أن وصولهن إلى هذه المكانة يشكّل خطوة تاريخية كبيرة. وعارضه الإخواني الآخر عجيل النشمي، الذي أفتى بأنه لا يصح أن تكون المرأة قاضية، وإذا أصدرت حكما فيعتبر الأمر «بلوى عامة»! بين موقف النشمي من القرار ووصفه بـ«البلوى العامة»، ووصف زميله الحزبي محمد الدلال له بـ«الخطوة التاريخية»، مسافة شاسعة وتخبط واضح.. فكيف يمكن تسليم مقاليد إدارة «قسم» في وزارة لأتباع هذا الحزب، دع عنك تسليمهم حكم دولة؟ 

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top