يا شفيق.. ما هكذا تورد الإبل!
. يضعون مختلف حروف التفخيم والتبجيل أمام أسمائهم، ويصفون أنفسهم بالمحللين السياسيين، والخبراء الاستراتيجيين، وما إن يغردوا حتى تشعر بالحزن من نشاز أصواتهم وهم يصفون الإخوان بالتنظيم الشرعي، وضرورة الحكم عليه من خلال صندوق الاقتراع!
***
كتبت التغريدة أعلاه قبل عشرة أيام، رداً على أحدهم، ولم أرسلها وتذكرتها بعد قراءتي لمقال الأستاذ شفيق الغبرا في القبس، بعنوان الإخوان المسلمون وقضية الاجتثاث!
***
عزيزي الأستاذ شفيق، بعد قراءة مقالك أعلاه وجدت أن أمامي خيارين، تجاهل الرد على كاتب ساذج قليل الخبرة في السياسة، وبالذات فيما يعنيه تنظيم الإخوان! أو الرد لأنني وجدت أن لك مآرب أخرى ليس المجال هنا لشرحها! ولمعرفتي بك، رجحت الخيار الثاني، فكان هذا الرد. ***
تقول في مقالك بأن منذ الربيع العربي، وسقوط مرسي بدأت حملات منظمة؛ منشؤها أجهزة دول، تستهدف شخصيات من تنظيم الإخوان المسلمين في طول الوطن العربي وعرضه! وهذا كلام يفتقد الدقة. فمحاولات القضاء على الإخوان بدأت قبل ذلك بكثير، وتحديدا بعد انتهاء حرب 1948، وتوجت باغتيال الأجهزة السرية المصرية لحسن البنا عام 1949. كما كان الأمر الوحيد الذي اتفق فيه جمال عبدالناصر مع العهد الملكي، الذي انقلب عليه، هو الإصرار على إنهاء الإخوان. كما استمرت عملية استغلال سلطات مختلف الدول لهم، وضربهم، وتقريبهم، حتى اليوم، والسبب لكونهم حزبا يتماهى تكوينه مع العنف، ويشجع أي نظام على استغلال الروح الفاشية فيه، والتي زرعها المرشد الأول، وحرسه الحديدي، وكشافة قمصانه الرمادية، وتشبّهه بحركات هتلر وموسوليني، خلاف شعار الإخوان الذي يشي بميل واضح للعنف، وليس للسلم والمحبة. أرجو أن تتساءل معي يا عزيزي شفيق: لماذا لم يتعرض حزب، بخلاف حزب البعث البائس، في طول الوطن العربي وعرضه، لمثل هذا العداء والتصفية والإرهاب من مختلف الأنظمة؟ هل لأنه حزب سياسي مسالم، ومحب للخير؟ أم لأنهم يسعون جاهدين سرا وعلنا للوصول للحكم، وتأسيس دولة الخلافة؟ هل ستختلف معي، وهناك مئات الأدلة المؤيدة لذلك، بأن هدفهم يكمن في تأسيس دولة الخلافة؟ وإن اتفقت معي، فكيف سيتحقق ذلك من دون إراقة الدماء والبطش بكل من يعارضهم، خاصة أن عشقهم للديموقراطية مفقود، لعلمهم باستحالة وصولهم لحلمهم عن طريقها؟ كدت أميل للتفسير الأول الذي ذكرته في بداية مقالي وأنا أقرأ وصفك لتيار الإخوان المسلمين بأنه سياسي مدني سلمي! فكيف لأستاذ علوم سياسية متمرس ومرموق أن يؤمن حقا وصدقا بأن الإخوان المسلمين تيار مدني وسلمي؟ فما حاجة تيار سلمي، في الكويت مثلا، لأن يدين بالولاء لتنظيم دولي ينتشر في أكثر من 70 دولة؟ وما حاجة هذا التيار المدني لأن يفرض على من ينتمي له القسم على الطاعة العمياء للمرشد؟ وكيف تكون حركة سلمية وهي مصنفة كجماعة إرهابية من قبل روسيا وكازاخستان ومصر والسعودية والإمارات وغيرها؟ وكيف تكون جماعة سياسية سلمية وتعاليم حسن البنا العشرة تتطلب من العضو: الفهم والإخلاص والعمل والجهاد والتضحية والطاعة والثبات والتجرد وَالْأُخُوَّة والثقة؟ فما حاجة حزب مدني مسالم لكل هذه التعليمات؟ تقول بأن «الإخوان» ليسوا تياراً واحداً، وهذا صحيح في الظاهر، ولكنهم من المؤمنين بالتقية. فهم لا يستخدمون تسمية الإخوان في أي من حركاتهم السياسية، سواء في الكويت أو تركيا أو تونس أو الجزائر أو غيرها، ولا يعني ذلك اختلافهم، بل هذا دأبهم في التخفي إلى أن يتمكنوا، فطاعتهم العمياء هي لتنظيمهم وأموالهم لمرشدهم! volume 0% ولو نظرت لممثلي الإخوان في برلمان الكويت مثلا لوجدت أن أحدهم يهادن الحكومة والآخر يعارضها، وهذه وصولية، وليس اختلافا في المواقف والرؤى، وبالتالي فوصفك لهم بـ«التيار المدني» أبعد ما يكون عن الحقيقة. فتحولهم للمدنية يتطلب منهم إعلان تخليهم عن مبادئ البنا وسيد قطب الداعية لتكفير الأنظمة كافة. وأن يؤمنوا بالديموقراطية، وبتعدد الآراء، والتعايش مع الجميع، والقبول بالخسارة، فهم ليسوا ممثلي الله على الأرض ولا يتحدثون باسمه، ولا يؤمنون بالحريات الشخصية، ولا بالحقوق المدنية، ولا بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان! لقد طالبت على مدى عقود، وكررت مطالباتي وحذرت من خطورة فكرهم الإقصائي وإيمانهم القوي بالعنف. فالسكوت عن النازية والفاشية تسبب في نهاية الأمر في وقوع حرب أودت بحياة أكثر من 60 مليونا من البشر. والسكوت عن الإخوان سيؤدي في النهاية لوصولهم للحكم، حينها سيحرقون السفن التي أوصلتهم، ليعيدونا، بالدم والعرق والدموع، لعصور الجهل والتخلف. لقد عادينا حركة الإخوان كما سبق أن عادينا ونعادي فكر المرشد الأعلى وفكر داعش والفكر الصهيوني، وكل فكر يعتقد أنه يمتلك الحقيقة، ويسعى للوصول لمآربه عن طريق العنف. محاولتك تمدين حركة الإخوان، والدعوة لقبولها كأية حركة سياسية من خلال تساؤلك بالخطر الذي تمثله جمعية نفع عام، تطرح رأيا مستقلا، أو تيارا سياسيا، يشي بأمور كثيرة لا مجال للدخول فيها. وسأكون أول من يقف معك إن نجحت في استصدار بيان منهم، طالما أنك أصبحت الآن المدافع عن فكرهم، بأنهم حركة وطنية سلمية لا علاقة لهم بالتنظيم الدولي، ولا يدينون بالولاء للمرشد الأوحد. لقد أسعدت بمقالك بعض السفهاء، وأغضبت الكثير من العقلاء.
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw