فترة الغسل الذهبية

تعتبر جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب من الجرائم الحديثة، التي لم تعرّفها التشريعات المدنية أو الدينية من قبل، وبالتالي لم تضع لها أية عقوبات. صدر قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في 2013 بعد أن بين البنك المركزي عدم رغبته في تولي المهمة، بإنشاء وحدة التحريات وإلحاقها بوزارة المالية. بقيت «وحدة المكافحة» دون تفعيل تقريبا حتى مارس 2018، عندما عُيّن السيد باسل الهارون الإداري السابق في البنك المركزي، رئيسا لها. شيئا ما دفعه للاستقالة بعد أسبوعين؛ إما لأن مطالبه لم تلبَّ، أو لأنه اكتشف الحجم الرهيب للمبالغ التي تم «غسلها» ضمن النظام المصرفي، وخطورة الأسماء المتورطة، فقرر بعد أسبوعين فقط الرحيل. ومنذ تاريخه وحتى اليوم لم يعيّن أحد في تلك الوظيفة، وهذا أكبر دليل على عدم جدية «الحكومة السابقة» بمكافحة غسل الأموال، وتمويل الإرهاب.

***

يمكن اعتبار الفترة من مارس 2013، وحتى مارس 2020 الفترة الذهبية لغاسلي الأموال وممولي الإرهاب، وعليهم ينطبق بيت الشعر لطرفة بن العبد: «خلا لك الجو فبيضي واصفري». وفجأة تغير النفس الحكومي، وراحت إدارة وجاءت إدارة، ومع أزمة الكورونا، وشح الأموال لدى الدولة، والأهم من ذلك انفضاح أمورنا وتدخل قوى دولية، خرجت الفضائح للعلن لتضربنا على وجوهنا مباشرة بكم هائل من أخبار الفضائح والفساد والتخريب والتهريب وغسل أموال بالمليارات، وتورط شركات وأسماء كبيرة، وعدد من المشاهير في ظاهرة لم تعرف لها الكويت مثيلا، وكل ذلك بسبب سوء الإدارة وعدم اكتراث الحكومة بقضية خطيرة، وهي وضع مواطن شريف وكفء في منصب رئيس وحدة التحريات لسبع سنوات. وهذه المأساة الإدارية المؤلمة تكفي وحدها لتبين بجلاء مدى خطورة ترك القضايا الخطيرة للوقت لتنحل وتتحلل!

***

يقال إن الحكومة عادت وعرضت ثانية على باسل الهارون تولي رئاسة الوحدة، ولكنه اعتذر، ربما لنفس الأسباب، فهي جمرة لا يود أحد أن يمسك بها! ولو كنت مكانه لرفضت العرض كذلك، ليس فقط لاحتمال تعرض من يتولى هذا المنصب لخطر كبير، بسبب حجم الأموال التي يتم غسلها ونفوذ من يقوم غالبا بعملية الغسل، ولعدم يقيني من وقوف الحكومة خلفي، بل وأيضا لمشاعر العجز والإحباط التي تكتنف قلب وعقل كل وطني عاقل من حقيقة ما يجري! فلا تزال الغالبية تشك في أن كل ما نراه مجرد مسرحية وسيخرج الجميع منها بريئا، بخلاف الإيراني والبنغالي، وتعود الرؤوس الكبيرة، في السياسة والمكياج لبيوتها سالمة، دون أن نرى «كبيرا» يعاقب بجدية!

***

إن غسل الأموال عملية مستمرة طالما هناك مهربون وبائعو خمور ومروجو مخدرات، وممولو إرهاب. وما بيد هؤلاء من نقد يتطلب غسله من خلال النظام المصرفي، ومن الضروري جدا الاستعجال في إيجاد شخصية قوية لها احترامها لتولي مهمة إدارة وحدة مكافحة غسل الأموال، مع التفكير في إعطائها أهمية سياسية أكبر، بدلا من وضعها الحالي كوحدة صغيرة في وزارة متخمة بالمسؤوليات، والروتين. مع التأكيد في الوقت نفسه على سرعة تعامل الحكومة مع جدية الوضع، وضرورة تفعيل الأدوات التي تمتلكها الوحدة، المرتبطة بجريمة معقدة، وخطرة في أطرافها وعابرة للحدود.

***

لقد رأينا عشرات الوجوه المتهمة بعمليات غسل الأموال، وشاهدنا صور عارضات وفاشينستات، ذكوراً وإناثاً وما بين بين، وسمعنا بشركات وبشخصيات سياسية واجتماعية «عالية المقام»، او هكذا يفترض، ودبلوماسيين أجانب، وتحويلات بالملايين من وإلى حسابات مصرفية في الكويت، والجميع منغمس بعمليات الغسل، ولكن لم نجد أحداً يأتي على ذكر المروجين الكبار الذين دفعوا لهؤلاء كل هذه الملايين ليقوموا بغسلها عن طريق حساباتهم، متخفين تحت أنشطتهم التجارية والاجتماعية، فغالبية رؤوس الأفاعي الكبيرة لا تزال سليمة! 

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top