لبنان.. والنبع الذي نهلنا منه
الفتنة والإشاعة والفساد وصراع المصالح والأحزاب، واستغلال رجال الطوائف لجهل العامة، وعدم إدراك الغالبية لحقوقها وحقيقة الوضع السياسي والطائفي والمالي أسهمت جميعها في ضياع لبنان، وسنضيع أيضا إن لم ننتبه للمخاطر التي تحيق بنا. لا أحد يتمنى، غير الخونة ومنعدمي الضمير بيننا، أن يكون مصيرنا كمصير لبنان، ولكن هذا التمني لا يعني شيئا إن لم نقم بجهد ولو بسيط لوقف انهيار منظومة الأخلاق، أو ما تبقى منها، في وطننا. مطلوب منا أن نتضامن، ونوقف هذه الكراهية المذهبية بيننا، ونخرس أفواه بعض أصحاب «حمر الكراسي» من النفخ في نار الطائفية، فمثلها كانت بداية الشرور في لبنان، وهي التي أوصلتهم لكل هذا الوضع المهترئ، وإن لم نتعظ من دروس الحياة، فسنخسر وطنا جميلا، كما يخسر اللبنانيون كل يوم قطعة من وطن كان يوما؛ الأجمل في العالم. التاريخ لا يرحم، والمنطق لا يعرف العاطفة، فإن كنا «قد» خسرنا لبنان، فلا تجعلونا نخسر الكويت معها!
***
نهلنا، أنا واخوتي من نبع التسامح ومحبة الغير الذي حفره الوالد في نفوسنا، دون قصد، قبل ان يرحل. ترك وراءه، بعد عشرة زوجية دامت 77 عاما، ذرية من أربع بنات وما يماثلهن عددا من الأولاد، وزوجتين. ونتج عن تزاوج أبنائه وأحفاده ذرية كبيرة نسبيا، وصل عددها يوم وفاته الثمانين عددا.
***
بسبب تسامحه، الذي لم ننتبه لقيمته في حينها، وحبه واحترامه للآخرين، بصرف النظر عن جنسية الآخر أو دينه ومذهبه، فقد كان لذلك تأثيره الإيجابي علينا جميعا، أصبحت هذه الأسرة، التي كثيرا ما تلتقي في بيت الوالدة، أو «الجدة»، بعددها الكبير نسبيا، مثالا جميلا على الوحدة الوطنية، وعلى ما يجب أن تكون عليه كل أسرة كويتية. فمحكوم علينا، شئنا أم ابينا، أن نبقى جميعا ابناء هذا الوطن، بشرفائه، وما أكثرهم، وبلصوصه ومجرميه، وما أقلهم، وأن نتعايش ونتحابّ، فلا خيار لنا غير ذلك. هذا التعايش يصعب كثيرا بغير انصهار من خلال مصاهرة وارتباط مقدس يكرس المحبة للأبد. فتسامح «عبدالله الصراف»، الذي رحل عن 93 عاما، نتج عنه ارتباط ابنائه وبناته، وتاليا أحفاده وحفيداته بالأسر التالية: عائلة بهبهاني، عائلة الموسوي، عائلة قبازرد، عائلة المطوع، عائلة المعراج، عائلة حمادي، عائلة أشرف، عائلة خاجه، عائلة العبدالمحسن، عائلة الدعيج، عائلة الشريدة، عائلة ششتري، عائلة فواز، عائلة الصايغ، عائلة ماضي فيروز، عائلة طه، عائلة الناصر، عائلة الوسمي، عائلة الحسيني، عائلة باقر، عائلة بورسلي، وعائلة الفهد. ولا أعتقد أن الانصهار سيتوقف هنا، فقد عبّد «الوالد» الطريق أمامنا، وترك أمر طرقه لكل منا، كعادته في مثل هذه الأمور. شكرا، ولو متأخرا كثيرا لمن رحل عنا، لبذرة التسامح التي بذرها فينا ونبعه الذي نهلنا منه، من دون أن نعرف حينها، مدى أهميته وقيمته الإنسانية والوطنية.
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw