هذا ردي يا مستشار

كتبت في سبتمبر الماضي مقالاً انتقدت فيه غياب الرقابة «الفعلية» عن حسابات «الهيئة الخيرية العالمية»، وكانت الهيئة من الذكاء بحيث لم ترد. أعدت الكتابة عن الهيئة ثانية قبل أيام وتساءلت عن أمور من حق أي مواطن معرفتها، في ظل كل الفساد الذي نعيشه، فتخلت الهيئة عن سابق حذرها، وردت، مدعية أنني أسأت لها وشوهت سمعتها، مهددة باتخاذ إجراءات قانونية ضدنا، بشكل لا يليق بجهاز عالمي خيري. جاء الرد من 1337 كلمة، مبينا أن أعمال الهيئة تخضع لخمسة مستويات من التدقيق، وهذا ما لا تتطلبه حسابات حتى شركة بحجم «أبل»، الأكبر في تاريخ البشرية! ورد في الرد أن التدقيق الداخلي تقوم به شركة بروتيفيتي protiviti العالمية، ولجنة تدقيق منبثقة عن مجلس الإدارة، ومكتب تدقيق داخلي متخصص ومستقل عن الإدارة التنفيذية، وفوق كل ذلك يقوم المدقق العالمي «إرنست أند يونغ» ernst & young بتدقيق حسابات الهيئة. أما التدقيق الخارجي فتقوم به ثلاث جهات رسمية، وهي وزارات الشؤون والخارجية والأوقاف!

***

أولاً: شركة بروتيفيتي، ولجان التدقيق «المنبثقة عن مجلس الإدارة هي والعدم سواء رقابيًا. فبصرف النظر عن حقيقة أن لا أحد في مجلس الإدارة متفرغ للقيام بعملية التدقيق الداخلي، فإن هذا يخالف كل أعراف وأسس التدقيق. فلا يمكن أن يكون الخصم هو الحكم. وكان من المفترض أن تكون هذه الجهات، أو بعضها تحت إشراف وزارة الأوقاف، حسب قانون الهيئة، وليس مجلس إدارة الهيئة. ثانياً: أما ما يقوم به مكتب «أرنست أند يونغ» للتدقيق، فهو خارج عن متطلبات قانون الهيئة، ولم يكن له وجود أصلا من 1986 وحتى 2014. كما أن مهمتهم تنحصر في تدقيق حسابات الهيئة وليس الرقابة على تصرفات مجلس إدارتها، بل وظيفتهم تكمن في توازن حسابات الهيئة، وعدم وجود مخالفات محاسبية، ولا علاقة له بتاتا بـ«أين وكيف ولمن» تصرف أموال التبرعات. كما أن المدقق لا يرفع أية تقارير للجمعية العمومية، لعدم وجودها. ومجلس الإدارة الذي استعان بالمدقق يستطيع إعفاءه خلال «ثوان»، دون أن يثير ذلك اعتراض أحد. أما رقابة الشؤون، التي أسهبت الهيئة في الحديث عنها فهي غير موجودة، ولم ينص عليها قانونها. وتلجأ الهيئة للوزارة للترخيص لها بجمع التبرعات، وبالتالي لا علاقة للشؤون بـ«أين وكيف ولمن» تصرف أموال التبرعات. أما ما ورد في الرد عن رقابة وزارة الخارجية عليها، فهذا غير صحيح. فليس لدى الخارجية الأدوات التنفيذية لمراقبة ومعاينة وإجازة المشاريع الخيرية الخارجية والاطلاع عليها عن كثب، ولا مراجعة العقود مع الجهات الخارجية، وبالتالي لا علاقة لها بـ«أين وكيف ولمن» تصرف أموال الهيئة! وأخيراً نأتي للجهة الوحيدة التي حدد القانون دورها في مراقبة أعمال الهيئة وهي الأوقاف. فمنذ إنشاء الهيئة قبل 34 عاما، وهناك محاولات خجولة لتفعيل رقابتها على الهيئة، ولكنها لم تفلح، إلى أن ثارت ضجة عام 2019 تعلقت بشبهة بتجاوزات وتعد على أموال المتبرعين في الهيئة، فدفع هذا وزير الأوقاف الأسبق فهد الشعلة لتفعيل الرقابة، وشكل لجنة ولكن لم يصدر عنها حتى اليوم أي تقرير، ربما لأن الهيئة لم تمكن أعضاءها من ممارسة مهامهم، ويعتقد أنها كانت لجنة لإسكات المعترضين. ولو عدنا لتقارير ديوان المحاسبة عن وزارة الأوقاف لوجدنا تكرار ورود الفقرة التالية سنة بعد أخرى: «مخالفة وزارة الأوقاف للمرسوم الأميري بشأن الهيئة الخيرية العالمية، بشأن متابعة الوزارة للهيئة، من خلال عدم القيام بالرقابة على أنشطتها وأعمالها وحساباتها»!! وكان رد الأوقاف سنة بعد أخرى: تمت مخاطبة الهيئة وجار التنسيق، وعمل اللازم!!

***

من كل ذلك يتبين أولاً عدم حاجة الهيئة لخمسة مستويات رقابية. وثانياً عدم فعالية أي منها، وما تعددها، غالبا، إلا ذر للرماد في العيون.  ‏سينتهي هذا الإعلان خلال 48 أما ما تعلق بموضوع أرض أذربيجان، فقد ردت الهيئة بعدم صحة ما ذكرناه بوجود شبهة، فالأرض بيعت، وأودع ثمنها في حساب الهيئة! ثم استدرك المستشار الذي صاغ الرد وذكر أنه تمت إحالة عدد من «الأشخاص» (من هم؟) إلى النائب العام بناءً على نتائج تحقيق داخلي، عندما تبين وجود مخالفات وشبهات شابت عملية بيع الأرض المذكورة (!!) أترك الأمر للقارئ للتعليق على ضحالة التبرير، الذي أكد شكوكي أكثر. وأخيراً، إذا كان القائمون على الهيئة مطمئنين لسلامة موقفهم المالي والإداري، وعدم وجود أي شبهات في أعمالهم، فإنني أطالبهم بتكليف ديوان المحاسبة أو هيئة مكافحة الفساد بالتدقيق على سجلاتهم، وإن ثبت عدم وجود أي مخالفات فيها فإنني أتعهد بلا رجعة، بالتبرع بمبلغ 50 ألف دينار للهيئة لبناء مسجد في باكستان! أما الرد المتعلق باللغط الذي أثير حول استمرار عضوية أحد أعضاء مجلس إدارة الهيئة، بالرغم من كل اللغط الذي دار حوله في السودان بتهم تتعلق بالفساد المالي، فلا يستحق الالتفات له.

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top