ذكريات 10 أغسطس 1990 (3 - 4)
خلال وجودي في السفارة أخبرني طاقم تلفزيون الكويت أن تلفزيونات دول مجلس التعاون الرسمية حددت ساعتين كل مساء، تقوم خلالهما مجتمعة بالتحول لتلفزيون الكويت. عرض مسؤول التلفزيون إجراء مقابلة معي لتطمين من غادر الكويت عن مصير ما لديه من عملة كويتية، وغير ذلك من مواضيع. رحبت بالفكرة، وباشروا من فورهم بتحضير الكاميرات. فجأة جاء المقدم نحوي وقال بأنه لا يعرف كيف يصوغ الأسئلة، وأنه يترك لي مهمة صياغتها والإجابة عنها. طلبت أوراقا أكتب عليها الأسئلة، ولكن كانت السفارة قد أغلقت حينها، ولا أوراق، فأخرجت دفتر أرقام الهاتف، ونزعت الصفحات التي ليس عليها أية أرقام ودونت عليها بضعة أسئلة، وسلمتها له، وكانت تلك أسهل وأغرب مقابلة تلفزيونية أجريتها.
***
الإقامة في فندق 5 نجوم أمر فخم بالفعل، وخاصة لمن أصر على التصرف كلاجئ. سلمت الفندق بطاقة الفيزا الخاصة بي، الصادرة من بنك باركليز، حيث إن كل بطاقات الائتمان والشيكات السياحية الصادرة من بنوك كويتية كانت قد ألغيت. ولكن بعد فترة أصبح الفندق كالسجن، فقد كانت لدينا سيارة واحدة ولم يكن مسموحاً للنساء بالقيادة، وكانت اللجنة تأخذ كل وقتي ولا أعود للفندق إلا متأخراً ومرهقاً. وعندما يكون لدي وقت لأخذ العائلة للترويح عنها كان غالباً ما يصادف وقت الصلاة وإغلاق المولات. بسبب خوفنا من المستقبل فقد كنا حريصين على ما كان معنا من مال، ثم جاء الفرج عندما اتصلوا بي من مكتب لندن ليخبروني أن هناك من يرغب في شراء بيتي هناك، وهذا ما تم تالياً، ولكني منعت، بموجب قرارات الأمم المتحدة، من التصرف بثمنه، إلا بعد ثلاثة أشهر.
***
كان عددنا عشرة ونشغل أربعة غرف في الفندق. كنت أعتمد في الدفع على بطاقة الائتمان الصادرة من بنك إنكليزي، وبالتالي لم أشغل نفسي بالتكلفة العالية للإقامة، ولكن بعد فترة قيل لنا إن إمارة الرياض، التي كان أميرها سلمان بن عبدالعزيز (الملك سلمان تالياً)، قد أمر بتحمل إمارة الرياض كامل تكلفة اقامتنا في الفندق، وكانت تلك المكرمة رقم عشرة من السعوديين اتجاهنا. فقد كانت دلال القهوة والحلويات الفاخرة تأتينا كل ليلة من بيوت الأسر السعودية وتوضع في اللوبي لخدمة «ضيوفهم» من الكويت، وكانت أحياناً تسلم لغرفنا مع «النقصات» وبكرم عجيب، وغالباً من أناس لا نعرفهم. لم أخبر أولادي، ووالدي، بأن إقامتنا أصبحت مجانية، بل كتمت الأمر عنهم ليستمروا في طريقتهم «الاقتصادية» وعدم التبذير في طلب الطعام والشراب. اكتشفت يوما أن المرحوم والدي كان يذهب لسوبرماركت قريب من الفندق ليشتري من ماله قناني ماء البيرييه، التي كان يحبها، ويحضرها للفندق، اعتقاداً منه أن سعرها في المحل أرخص منه في الفندق. كما كان بعض السعوديين يأتون الى لوبي الفندق ليعرضوا علينا الانتقال والسكن في فلل مفروشة مجانا، وغير ذلك من مظاهر الكرم. بعد عمل استمر لأكثر من شهرين مع أحبة من أمثال المرحومين حمد النخيلان ومحمد محمد سلمان الصباح، ومنصور ششتري، وسعد الدعي، وخالد المعوشرجي، وعلي العويد، وغيرهم من كرام المواطنين المخلصين، الذين لا أتذكر بقية أسمائهم، قررت ترك الرياض والالتحاق بأسرتي، التي سبقتني إلى دبي، فسلمت كامل الأمانة للسفير البكر، وللمرحوم النخيلان، وتركت اللجنة والرياض...آسفاً!!
ونختتم غداً..