سفّروه.. خذوه وغلّوه!

صديقي بوسعود واحد من القلة المؤمنة بإمكانية تأسيس صناعة ناجحة في الكويت، وهذا ما لم أؤمن به دائماً، ولكن نظرته كانت سليمة، وتحوطاً قام بتأسيس مصانع مماثلة لمصنعه في كلّ من السعودية ودبي. زارني يوماً، وانتقل النقاش للمعوقات التي تواجهه كمصّنع وتزايدها في بيئة غير صديقة للصناعة، مقارنة بالتسهيلات التي يلقاها في الخارج، وكيف استطاع التعايش معها، مضطرا غالبا، ولكن الأمر الذي لم يستطع فهمه أو تقبله تعلق بالتجارب التي مر بها أثناء بناء مصانعه في دول الخليج الأخرى، وكيف أن التلاعب والغش من قبل المقاول في مواد البناء والمصنعية كان في حده الأدنى في الخارج، وكان في الوقت نفسه يبلغ الذروة في الكويت، وتساءل، بحسرة عن السبب؟ فقلت له بأن للموضوع وجهين، تشريعي ونفسي. فمعروف أن فتح أي مستشفى في منطقة نائية سيزيد تلقائيا من أعداد المرضى فيها؛ والسبب أن غالبية من يشعر بآلام في الليل مثلا قد لا يمتلك الوسيلة أو المال للانتقال للمستشفى البعيد لتلقي العلاج، فيتحامل ويصبر حتى الصباح، وغالبا ما تختفي الآلام من تلقاء نفسها أو نتيجة لتناول وصفات شعبية. أما وجود مستشفى قريب فسيدفع كل «متألم» لأن يهرع إليه عند أول إشارة! كما أن افتتاح محكمة في المنطقة نفسها سيزيد فورا من أعداد القضايا المرفوعة، والسبب أن بُعد المحاكم دفع المتخاصمين في الغالب لتسوية الأمور بينهم ودياً أو بالأعراف، ولكن وجود المحكمة جعلهم يهرعون إليها عند أول خلاف. وبالتالي فإن وجود نظام قضائي راسخ وقديم في الكويت، مع ما عرف عنه من بطء في إجراءات التقاضي، شجع الكثيرين على التلاعب، ومطالبة الطرف الآخر باللجوء للقضاء، وإلى أن يصدر الحكم النهائي أو البات تكون الأوضاع قد تغيرت، وربما سيصدر الحكم لمصلحة الطرف الجاني، إن فشل المجني عليه في إثبات حقه، أو استعان بمحام غير متمكن. وبالتالي فإن سياسة «خذوه وغلوه» المطبقة في دول كثيرة لا يوجد ما يماثلها في الكويت، على الأقل بشكل فاضح، فأصحاب السلطة والنفوذ لا يتدخلون غالبا، أو لا يستطيعون أحيانا كثيرة وضع من يعارضهم على أول طائرة وترحيله إلى بلاده ومصادرة ممتلكاته، كما حدث ويحدث في بلاد أخرى، وبالتالي تجد المقاولين في تلك الدول «يحترمون» أنفسهم خوفا من «صدور الأمر» بترحيلهم خلال ساعات، وليس لأنهم أكثر أمانة مقارنة بنظرائهم في الكويت! فقد تكون شركة المقاولات التي تتصرف بطريقة في الكويت، تتصرف بطريقة مغايرة خارجها. وقلت لصاحبي بأننا لو خيرنا «الشعب» بين الطريقتين، اللجوء للقضاء أو طريقة «سفروه، وخذوه وغلوه» لفعاليتها في جعل «الوافد» يحترم كلمته ويؤدي عمله بطريقة سليمة، لاختارت الغالبية طريقة «خذوه وغلوه» متناسين، عن قصر نظر غالبا، أن من وصل لغيرهم وأنهى وجودهم يمكن أن يصلهم، وينهي وجودهم؟

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top