«القبس».. وتعليق الحياة النيابية
أجد نفسي، بين الفترة والأخرى، بسبب ميل الكثيرين الى السباحة في بحيرة «التآمر» الوهمية، مجبراً على توضيح استقلاليتي في الرأي والموقف عن القبس، التي أكتب بها منذ أكثر من عقدين بصفة مستمرة، وأكن لها، كمؤسسة وملاك وإدارة، صادق الاحترام. ليس لدي مكتب في القبس، ولا دخل ثابتاً أو متقطعاً منها، ولست بحاجة لذلك. ولم أكتب يوما في غيرها، بالرغم من رغبتي في نشر مقالي في أكثر من صحيفة بنظام التزامن، لكن لا يبدو ذلك سهلا!
***
كان لا بد من هذه المقدمة، المكررة نوعاً ما، قبل الولوج في موضوع مقالنا هذا. تزايد في الأيام الأخيرة الهجوم الشرس، وأحياناً غير الأخلاقي ولا المهني على القبس وملاكها وحتى العاملين فيها، وبصورة شخصية مقيتة. صراخ هؤلاء جاء حتماً على قدر ألمهم، أو ألم من يقف خلفهم ممن أصابهم الشرر من جرأتها، وانكشاف مواقفهم نتيجة قيام القبس بالكشف عن جملة من القضايا الأخلاقية (بمعناها الواسع وليس الجنسي)، وهي المهارة الصحافية التي طالما اشتهرت القبس بها طوال تاريخها المهني. وأجد نفسي، من واقع ما أملك من عقل وخبرة بسيطة، مجبراً أدبياً ومنطقياً على الوقوف مع القبس في حربها ضد قوى الفساد. ففضيحة مشاهير السوشيال ميديا، وغسل الأموال، وشبكات البنغالي والإيراني والباكستاني والمصري والسوري واللبناني، وقبلهم ومعهم جميعا المواطن «الكويتي»، وغيرها من قضايا الفساد، تطلبت قوة وإيماناً كبيرين بالمصلحة العامة، ولم تتردد القبس في المجازفة وكشف العوار الخطير بالرغم من قوة الأطراف المتورطة، ولكن هذا قدرها وقدر كل مجتهد صادق يعمل في هذه المهنة الصعبة، ولا يعني ذلك أن القبس صحيفة «مثالية»، ولكنها الأكثر اهتماماً بمثل هذه القضايا، وبالتالي كان الهجوم غير الأخلاقي متوقعا، في ظل الضغوط الكبيرة التي تعرضت لها الجريدة ورفضت الرضوخ لها أو التجاوب مع طلبات التوقف أو التستر على الفضائح، بل فضلت الاستمرار في دورها الرائد، وفتح ملفات الاعتداءات على المال العام وقضايا الفساد منذ تأسيسها بدءاً من قضية الناقلات، والشخصيات الواسعة النفوذ التي كانت وراءها، مروراً بفضيحة الإيداعات المزلزلة التي طالت عددا مخيفا من النواب، وصولاً للفضائح المالية الأخيرة الأكثر خطورة، والأكثر زكماً للأنوف، والتي مرغت سمعتنا المالية، كشعب وحكومة ودولة، في الأوحال على نطاق إقليمي وعالمي.
***
يبدو أن الجائحة هنا، وستبقى معنا لفترة طويلة قادمة. وبسبب تخلف أنظمتنا الإدارية، وتوقف نظامنا البريدي، فمن المرجح، وهذا ما نتمناه، ألا تجد الحكومة مفراً، ولدواع وأسباب تتعلق بالصحة العامة، والمصلحة الأكثر عموما، من تأجيل الانتخابات النيابية القادمة لفترة سنتين على الأقل، وإدارة الدولة عن طريق المراسيم، وإقرار كل القوانين التي ينتظرها مئات آلاف المواطنين والمقيمين منذ سنوات طويلة، والتخلص، ولو مؤقتا، من «هذرة» أعضاء المجلس، وصراعاتهم واستقطاباتهم، فهل سيتحقق ذلك لتنتهي خرافة الدولة العميقة إلى الأبد، وننعم ببعض الاستقرار السياسي والاقتصادي الذي نحن بأمسّ الحاجة إليه؟.
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw