الأيام الحبلى بالأحداث
قلة من الشخصيات المعروفة في عالمنا الواسع حظيت بـ«الثلاثية الصعبة»: حب شعوبها لتلك الشخصية، واحترامها، وثالثا أن تكون تلك الشخصية جديرة في نهاية الأمر بتلك المحبة وذلك الاحترام. فالحب والاحترام لا يكفيان في غياب الثقة بقدرات تلك الشخصية أو مواهبها أو منجزاتها، والأمثلة لا تعد ولا تحصى. فهناك هتلر، وبيكاسو، وعبدالناصر، وسوكارنو، وجون كنيدين ولي كوان يو، ومهاتير محمد، والجنرال جياب، وماريا كالاس، وأم كلثوم، وجيفارا، وأتاتورك، وشاه إيران، وغيرهم الكثير، وكل هؤلاء كسبوا لفترة محبة شعوبهم، واستطاعوا إنجاز أو تخريب الكثير، وحظوا بالاحترام، ولكن قلة منهم حصلت على الثلاثية الصعبة، بعد ما تبين تاليا حجم الدمار والخراب الذي تسببوا به. وكما يتبين من الأمثلة أعلاه، فإن هذه المكانة المرموقة لا تقتصر على الزعماء السياسيين، بل تشمل فنانين خالدين وشعراء وفلاسفة وكتاب روايات ومحرري أوطان ومناضلين، وقادة جيوش، ومجموعة لا تحصى من الجحوش. وكمثال، وليس حصراً، على الشخصيات القليلة التي حظيت بحب واحترام كل الكويتيين تقريبا، وحتى المقيمين، وتجاوز تأثيرهم الحدود الفنان الكبير عبدالحسين عبدالرضا، وكان ذلك التقدير والحب والاحترام في محلهما تماما. ومن الشخصيات الأخرى الأمير الراحل عبدالله السالم، الذي اتصف بالكثير من الحكمة، وأحبه شعبه واحترمه، وكانت تلك المحبة والاحترام في محلهما. كما يعتبر صاحب السمو الأمير من الشخصيات القليلة في تاريخنا السياسي التي حققت الثلاثية الصعبة.
***
يعتبر الشيخ ناصر صباح الأحمد، الذي ليس له صفة سياسية واضحة حاليا، والذي تبوأ المنصب الحكومي الرسمي لفترة قصيرة، حقق فيها ما لم يكن متوقعا، أحد المرشحين الأقوياء لنيل الثلاثية الصعبة، وسيكون بنظرنا أهلاً لذلك. ولكن مشكلة الشيخ ناصر تكمن في أن سر قوته هو في الوقت نفسه نقطة ضعفه. فهو يمثل الشخصية المستقيمة التي لم تشب سيرته أية فضيحة، ومحبوب من السواد الأعظم من الكويتيين، وأثبت جدارة في عمله، واقتحم مغارات لم يكن غيره يجرؤ على دخولها، ولكن هذا خلق له أعداء كثراً اشتهروا بامتلاكهم لقوة المال والشراسة في القتال، واستعدادهم لبذل الكثير لإقصائه ومنعه من الوصول لأي منصب تنفيذي. فالشيخ ناصر بالنسبة لهم، ومن واقع ما عرف عنه، لا يجامل وغالباً سيتسبب في «عفاس» جهات كثيرة تعودت على الاسترخاء، والاستمتاع والاستنفاع بما لديها من حظوة وامتيازات، ووصوله للمنصب المرموق الذي يستحقه، سيحيل حياة هؤلاء لقلق دائم وصراع مستمر، وبالتالي لن يعدم من يختلفون معه من وسيلة لمنعه من الوصول لما يريد، وبالتالي سيسعون الى تجاوزه من خلال اختيار شخصيات قد تكون غير محبوبة ولا تتمتع باحترام الجميع ولكن لديها المرونة اللازمة، والكره لـ«العفاس»، والميل لمراضاة الجميع، ولو على حساب المصلحة العامة. نكرر بأن ما يتمتع به أبو عبدالله من ثقة شعبية كاسحة هو سر قوته، ونقطة ضعفه في الوقت نفسه، فهذه المحبة وهذه المكانة التي حصل عليها مقلقة لقوى كثيرة، ولن يتركوه يستغلها أو يستفيد منها.. بسهولة! والأيام القادمة حبلى بالكثير من الأحداث!
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw