الزميل الدعيج وهنري الثامن
لم أُخف يوماً تقديري وإعجابي بشخص ومواقف وكتابات الزميل الكبير «عبداللطيف الدعيج»، والوضع كما كان عليه، منذ ثلاثين عاماً!
***
كتب الزميل الدعيج مقالا قبل أيام ذكر فيه أن ما يتم تداوله حاليًا تحت مسمى «وثيقة الكويت» هو في رأيه أمنيات ورغبات إنشائية لم تقدم، كحال كل مثيلاتها من برامج وطروحات ما يسمى بالقوى السياسية، لم تقدم لا جديداً ولا نافعاً. فالكل يؤيد ما جاء بها، ولم تأت بشيء يُختلف عليه، ولكننا نريد أن نعرف أولاً ما هي المشكلة وما هي المعوقات وكيفية إزالتها. مشكلتنا التي يتجاهلها من يدعي المعرفة بالأمور ليست سياسية، فلا خلاف ولا قلاقل ولا مطالبات أو دعوات بالتغيير الشامل، والأوضاع مستقرة والحال إن جاز التعبير ثابت، وبالتالي فإن مشكلتنا الأساسية الحالية هي «اجتماعية أولاً واقتصادية ثانياً، وإننا بحاجة لأن نبني وأن نؤسس «اللِّي تحت، أو المواطن». فهو الذي أفسدته الدولة الريعية وهو الذي يتوجب «إصلاحه» وتغييره إن جاز التعبير، وليس الدولة وليس الحكومة. فمشكلتنا ليست مع النظام الانتخابي ـ رغم أنه معوج ـ وليست مع الحكومة أو بقية مؤسسات الدولة، بل مع المواطن الذي يتهرب من العمل، والمواطن الذي يحترم القبيلة ويجل الطائفة ويخضع للخرافات الدينية، ولا يحترم الوطن، بل الوطن بقرة عليه أن يمص ضرعها قبل غيره. وطالب الدعيج بتغيير عقلية ونفسية هذا المواطن، وبعدها سيقوم هو وليس الساسة بتولي عملية التغيير ووضع وثيقة الإصلاح وهو من سيحدد ويمشي في الطريق القويم. انتهى الاقتباس!.
***
ما كان بودي الرد على الأستاذ الدعيج لولا تكراره لمقولة إن المشكلة تكمن في المواطن، وليس في الحكومة، المهيمنة على كل أمور حياتنا! فبالرغم من اتفاقي التام معه في أن العلة في المواطن، وإقراره بأن الحكومة «خربت المواطن»، إلا أن هذا الأخير لم يصبح قبلياً بالولادة ولا طائفياً بالرضاعة، بل أصبح كذلك بالتعليم والتربية والممارسة الحكومية. فقد «سمحت» الدولة لرؤساء القبائل بتسمية أنفسهم بـ«أمراء»، واستمعت لكلمتهم وقبلت وساطتهم، وبالتالي شعر جزء كبير من المواطنين أن عزوتهم في قبيلتهم وطائفتهم، خاصة بعد أن عقدت الدولة، ممثلة في الحكومة، كل المعاملات أمامه، ورفضت العادل من طلباته، وأعطت «الواسطة» أهمية قصوى، وأساءت اختيار القادة، وعينت الفاشل في أعلى المناصب، ووزعت العطايا برغباتها، فدفعت الغالبية للجوء لرئيس القبيلة أو ممثل الطائفة، أو النائب لاستجداء «الوزير» ليحقق لهم مطالبهم العادلة.. وغير العادلة غالبا. فالمواطن، الذي صنعته وشكلت فكره مدارس الحكومة على مدى 70 عاما، تم تلقينه بأنه ابن الدولة الريعيّة، وهي «الماما» المانحة، وما عليه غير الأكل والشرب والنوم وسيأتيه «رزقه» لعتبة بيته، فتدلل وخرب بعد أن رفعت عنه الحكومة «المسؤولية الاجتماعية»، ورفضت فرض الضرائب (الأخلاقية) عليه. التربية والتعليم تم تخريبهما أمام سمع وبصر الحكومة، على يد قوى التخلف، وبالتالي أهمل أحد أهم اركان بناء الدولة الحديثة، إما قصدا أو جهلا، فكيف لا نحمل الحكومات المتعاقبة هذه المسؤولية؟
***
فإن كان لدينا مواطن فاشل، وآخر أقل ولاء لوطنه ونظامه السياسي، ورابع الأسوأ في ممارسته الانتخابية، فهم نتاج حكومة فشلت في أن تجعل منهم شيئا أفضل... مع شكي الكبير في أنها سعت لأن تفعل شيئا أصلا!
***
عندما غيّر هنري الثامن دينه من الكاثوليكية إلى البروتستانتية، غيّر كامل الشعب الإنكليزي دينه مع الملك، دون ضغط من أحد!
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw