يوم تبخرت سعادتي
صدر عن مجلة الإيكونومست البريطانية الرصينة قبل وقوع جائحة كورونا بشهر، تقرير يتعلق بالديموقراطية في مختلف دول العالم. وحيث إن شيئاً جذرياً لم يطرأ على صلب الموضوع ولا الأساس الذي بني عليه، فبالتالي يبقى صالحاً.
***
شعرت بالسعادة وأنا أقلب في صفحات التقرير، وتساءلت عما كان سيكون عليه شعوري لو كنت مواطناً في دولة دكتاتورية لا يحق لمواطنيها التنفس من دون أن تقوم أجهزة المخابرات بعدّ الأنفاس. كما شعرت بالسعادة لتوقع رؤية اسم وطني ضمن مجموعة جميلة من الدول الديموقراطية الأخرى، وقررت، قبل قراءة المقال، توزيعه على القروبات والإيميلات التي بحوزتي، لأبين لهم مكانتنا، السياسية!
***
تبين من محتوى التقرير، الذي تستشهد به أغلبية الجهات العالمية المعنية، أنه يستند في مدى ديموقراطية أية دولة إلى 60 معيارًا فرعيًّا مبنية على الأسس الخمسة التالية: العملية الانتخابية، التعددية، عمل الحكومة، المشاركة السياسيّة والثقافة السياسية والديموقراطية والحرّيات المدنيّة.
***
شملت الدراسة 165 من أعضاء الأمم المتحدة، وإقليمين آخرين. كما صنّفت الدول على أربعة مستويات: الديموقراطية الكاملة. ديموقراطية معيبة. نظام هجين، ورابعاً نظام دكتاتوري. كنت أتمنى، حسب فهمي وتوقعي، أن أجد مرتبة ديموقراطيتنا بين الفئة الأولى، فانتخاباتنا حرّة ونزيهة. كما يشعر الناخبون خلالها بالأمان، وحسب علمي، لا تأثير خارجياً على الحكومة، ويستطيع موظفو الحكومة تنفيذ السياسات العامّة بشكل عملي وفعلي، وجميعها أمور أعطيت في التقرير أهمية عالية، وبالتالي توقعت أن الكويت ستكون في الترتيب العالمي مع النرويج وأيسلندا، وبقية الدول الغربية المتقدمة الأخرى، لكن أملي خاب، أو ربما توقعت أكثر مما يجب. هبطت بتوقعاتي وبنظري للقائمة الثانية، وتمنيت أن أجد الكويت ضمن الدول ذات الديموقراطيات المعيبة، فقد تكون هناك عيوب لم نلاحظها، وسنكون مع كوريا الجنوبية واليابان، أو مع أستونيا، أو تايوان، ولكن أملي تلاشى مع انحدار طموحاتي لأن نكون «حتماً» في قائمة الدول ذات الأنظمة الهجينة مثل أوكرانيا، ألبانيا، السنغال، جورجيا أو نيبال وغيرها. volume 0% سينتهي هذا الإعلان خلال 2 ولكن هنا أيضاً خاب أملي، وأصبحت أشعر بداخلي بشيء من الإحراج. نزلت ببصري لذيل القائمة، وللدول المصنفة كدكتاتوريات، فوجدت الكويت، التي لديها ديموقراطية تفتخر بها أمام أندادها كافة، في المرتبة الـ 115 يسبقها الأردن ويأتي بعدها كل ما يخطر على البال من دول ووبال! فندمت على إرسال التقرير للقروبات، ونشر غسيلنا غير الناصع.
***
أمامنا أحد خيارين: إما مراجعة وضعنا «الديموقراطي»، وإما شراء ذمم محرري «الإيكونومست»، وإسكاتهم إلى الأبد. فبعد كل الحبر الذي أريق، والأصوات التي بحت في التغني بديموقراطيتنا، فإننا لا نقبل الطعن بها، ولا نفعل شيئاً! للعلم، صنفت المجلة أميركا ضن قائمة الديموقراطيات المعيبة. وأثبتت تهديدات ترامب بتخريبها، وعدم الاعتراف بنتائجها، صحة تصنيف «الإيكونومست».
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw