إليك أشكو.. الوضع إلى انهيار
كل التخبط الذي نعيشه سببه سوء التخطيط.. وكل سوء التخطيط سببه تدني مستوى التعليم.
***
ثلاث شخصيات أثرت بصورة مباشرة على مسيرة التعليم «الرسمية» في الكويت، الشيخ عبدالله الجابر، عبدالعزيز ملا حسين، وخالد المسعود، وكانت لكل منهم بصماته، وامتلكوا هامشا من الحرية في إحداث ما رغبوا فيه من تغيير وتعديل، ومن بعدهم بدأ الانغلاق. تزامن التفات الحكومة لمدى خطورة وأهمية مرفق التعليم، مع انتباه حزب الإخوان المسلمين (جمعية الإرشاد، وتاليا الإصلاح) للأمر نفسه، وسعي الطرفين للسيطرة على التعليم، كل حسب أجندته. ومع الوقت أصبح هناك ما يشبه الاتفاق الصامت بين السلطة والإخوان، على أن يتسلم ممثلو الاتجاهات الدينية المحافظة كل أمور الوزارة «الصغيرة» من مناهج، وتعيين وكلاء مساعدين ووضع سياسات التربية والتعليم! وأن تسلم أمور الوزارة «الكبيرة» لليبراليين، أو مناوئي الاتجاهات المتشددة، كمنصب الوزير، وغل يدهم عن إحداث أية تغييرات لا ترغب السلطة أو الإخوان بها! وهكذا رأينا تولي «كوكبة» من أفضل العقول المنفتحة لحقيبة الوزارة من المشهود لهم بالإخلاص والخبرة، ولكن لم يسمح لأي منهم تقريبا بإحداث أية تغييرات جذرية في بنيان الوزارة الداخلي الصلب، فعيون الإخوان من داخلها كانت ترصد أفعالهم، وتئدها في مهدها. كما سمحت الحكومة لقوى الإخوان بتحويل «جمعية المعلمين» الى قلعة تابعة لهم، وسهلت لهم كذلك السيطرة على اتحادات الطلبة، و«تشريف» مؤتمراتها، بالرغم من عدم الاعتراف بكيانهم، وكانت هذه الاتحادات في مرحلة ما، وربما لا تزال، أقوى حتى من إدارة الجامعة!
***
سيطرة الإخوان الكاملة على مرفق التعليم أثر سلبا على مستوى المؤسسات والمخرجات، وأصبح الجميع يشكو من التدني الخطير في مقدرة وفهم خريجي الثانوية، وبالتبعية خريج الجامعة الحكومية اليتيمة، وأخواتها التجاريات، مع استثناءات قليلة جدا، بعد أن حولت الأحزاب السياسية الحرم الجامعي لجسم سياسي، وجعله خارج نطاق البحث العلمي، بعد خنق «الحرية الأكاديمية» فيه، وجعل الجامعة أداة تفريخ للشهادات، ومصنع نواب المستقبل، مع الاهتمام بتفاهات الأمور كزي الطالبات، ومواقف السيارات وإرضاء الاتحادات، والسماح بالتدخلات، وقبول الوساطات. ولم يكن غريبا بالتالي ملاحظة أن «زعماء الطلبة» في الجامعة، وأغلبيتهم كانوا من الإخوان، أصبحوا بعدها نوابا ووزراء، وعرف كل الطلبة تقريبا أن الطريق للشهرة والثراء يكون من خلال الحزب، وليس العمل الجامعي الحقيقي، الذي أفقدته الأحزاب الدينية، مع الوقت، معناه! وهكذا بلغنا هذا الدرك الأسفل من التعليم في المؤشرات كافة، وما نتج عن ذلك من انحدار أخلاقي بدأنا نحصد نتائجه! ولو قمنا بمراجعة الكيفية التي حصل فيها الكثير من «الدكاترة» على شهاداتهم، وتاليا على درجاتهم العلمية، من استاذية أو غيرها، لتبين عمق الهوة، هذا بخلاف ما يتقاضاه الكثيرون منهم من رواتب ومكافآت لا يستحقونها!
***
لقد صرفت الدولة، بكرم، 11 مليار دولار لبناء جامعة من الحجر والألمنيوم والكونكريت في وسط الصحراء، ولم تصرف عُشر ذلك على بناء الإنسان في وسط المدينة. وربما يكون السبب لاعتقاد البعض أن المبنى المنير لا يشكل خطراً على الحكومة، كالطالب المستنير!
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw