تثمين الصحراء
«.... استقدمت الدولة الشركات الأجنبية للكشف عن النفط في الكويت، وتبين أن كل آبارها موجودة في المناطق الصحراوية، حيث تتواجد مراعي القبائل. فالنفط لم يتواجد في القرى المأهولة، ومنها قرية الكويت (أي العاصمة). تبع اكتشاف النفط واستخراجه توفر أموال طائلة بيد الحكومة فقامت بقصر توزيعها على أبناء القرية (العاصمة)، من خلال عملية التثمين (أي استملاك عقارات المواطنين للمنفعة العامة، كشق الطرق وبناء المدارس والمستشفيات). وشمل ذلك كل أبناء القرية، أما اهل البادية من البدو، أو أبناء القبائل التي اكتشف النفط في أراضيهم (!!) فلم يتم تعويضهم، أو تثمين «مناطقهم»!! والأمر ذاته حدث مع منح الجنسية الكويتية لسكان الدولة، حيث منحت فقط لأبناء القرية (العاصمة) أما بقية المناطق فقد حصلوا عليها تاليا، ومن خلال لجان أدارها أبناء القرية (العاصمة)!!
***
الكلام أعلاه لم يصدر من مدرس نجارة في المعهد التطبيقي، ولا من طبيب في مستشفى جابر، بل من «عبدالهادي العجمي»، رئيس قسم التاريخ في جامعة الكويت!
***
اعترض الكثيرون على كلام «الدكتور»، ووصفوه بغير المقبول، وأنه يبحث عن مظلومية غير موجودة. ما دفعني لكتابة هذا المقال صمت «الفئة المعنية» عن هذا الخلط المخل، مما يعني اتفاقهم، أو تعاطفهم مع القائل، وخاصة ما تعلق منه بخسارة البدو لفرصة استملاك الحكومة للصحراء التي كانوا يرعون ماشيتهم فيها! فالاستملاكات، داخل المدن، تمت مقابل صكوك ملكية عقارية موثقة، ومن لم يمتلك حينها عقارا لم يحصل على «شيء» من التثمين، وهذه حقيقة! ولا أدري بالتالي ما الآلية التي كان يجب على الحكومة اتباعها قبل 60 عاما لـ«تثمين الصحراء»، وتعويض من فيها؟ فالصحراء شاسعة تتقلب على أية منطقة منها، خلال السنة، عدة قبائل، متناحرة غالباً، في بحثها الأسطوري، الممتد عبر آلاف السنين، عن الماء والكلأ، وكان الاستقرار بالنسبة لها يعني الجوع والموت تالياً. فأرض من كان يجب أن تثمن؟ وما المساحة المطلوب تثمينها؟ ولمن تدفع قيمة التثمين؟ فلا هويات شخصية ولا استقرار ولا محل إقامة معروفاً، حتى لشهر واحد؟ إن كلام «عبدالهادي» هو في حكم الإثارة البغيضة، وما كان يجب صدوره من «أستاذ» تاريخ، أو سكوت زملائه عنه، وخاصة الأقربون له، فالدولة «فيها ما يكفينا» من تشرذم اجتماعي وبشري وفكري، وهذا الخطل التاريخي قد يزيده اشتعالا غير مبرر، وخاصة بين طلبته، أو من استمع له واقتنع بوجهة نظره. ولا يفيد أحد التقليل من وضعنا كشعب ودولة والإصرار على وصف «العاصمة/الدولة» بالقرية، وهي التي وقعت أولى اتفاقياتها الدولية، مع أكبر قوة عظمى في حينها، قبل أكثر من 120 عاما. أما ما تعلق بموضوع لجان منح الجنسية، فحسب علمي ويقيني بأن «شيوخ» القبائل كان لهم الدور الأول والأقوى في تزكية من يجنس، وغالبا دون سؤال أو اعتراض من رؤساء اللجان، الذين كانوا من أبناء جبلة وشرق، كما ردد بسخرية أكثر من مرة في حديثه. حديث «عبدالهادي العجمي» كان معيباً في غالبه، وتضمن كماً كبيراً من المغالطات، وما كان يجب السكوت عنه.
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw