سموم «سمادار العاني»
كتبت «سمادار العاني»، التي تصف نفسها بكاتبة إسرائيلية من أصل عراقي، وهي غالباً من أسرة العاني المعروفة، مقالا نشر في «شفاف» الإلكترونية المرموقة، عن يهودية إسرائيل وديموقراطيتها، وكيف نجحت بالمواءمة بينهما! فيهودية الدولة، بنظرها، تعني ببساطة دولة ذات أغلبية يهودية، تكون فيها اليهودية دين الدولة الرسمي، من دون أن يعني ذلك انكار حقوق اتباع الديانات الأخرى، التي لها مطلق الحرية في إقامة شعائرها الدينية وتعطيل العمل في أعيادها. وأن هذه المعادلة تبنتها إسرائيل منذ نشأتها، ورغم كل التوترات التي لا يمكن انكار وجودها، نجحت إسرائيل، بنظرها، في الحفاظ على التوازن بين يهودية الدولة وديموقراطيتها، انسجاما مع روح وثيقة الاستقلال التي تدمج بين الطبيعة اليهودية للدولة، وملامح الدولة العصرية المتسمة بالحرية والمساواة.
***
ومن نظرة إلى واقعنا الشرق أوسطي، تضيف الكاتبة: نرى أن جميع الدول العربية، عدا لبنان، تقول دساتيرها ان الإسلام هو دين الدولة الرسمي، ومصدر تشريع أساسي، بخلاف وجود عشرات المؤسسات السياسية والمالية والدعوية التي تصب في الاتجاه الديني نفسه، ممّا يؤكد الحضور القوي للعامل الديني في الدول والمجتمعات العربية، بما فيها الأكثر تقدّمًا، وحتى رموز وألوان الأعلام العربية، كما العلم الإسرائيلي ترتبط بتاريخها الديني. وعلى ضوء هذه الحقيقة يتعذّر تبني النموذج الغربي في منطقتنا في الوقت الحاضر، لا سيما فيما يتعلق بفصل الدين عن الدولة بشكل مطلق، وهذا الوضع ينطبق على كل دول المنطقة. وتستطرد العاني قائلة بأن يهودية الدولة لم تقف حائلا أمام التزايد المستمر في عدد غير اليهود، الذين يتم توظيفهم في أعلى المناصب. كما ترعى الدولة جميع المؤسسات التربوية العربية، وتقوم بصيانة المساجد التي يصل عددها إلى أربعمئة، هذا غير الكنائس. وأن هذا النهج يعتبر من الثوابت الإسرائيلية، ويختلف عن المشاهد المؤلمة التي نشهدها على ساحة غالبية أو ربما كل الدول العربية من إهمال مستمر للمواقع التراثية اليهودية، وعمليات التخريب التي تستهدفها، هذا إذا سمح بإقامتها.. أصلاً. وتصل الكاتبة لنقطة مؤلمة تتعلق بحقيقة أن هناك هجرة مستمرة ومتزايدة لأبناء الأقليّات من الدول العربية، ممّا حوّل معظمها إلى «مجتمعات المونو»، أو فردية الديانة، بموازاة ذلك تشهد الأقليات في الدولة اليهودية تناميا مستمرا في أعدادها وهي الأكثر أمانا في الشرق الأوسط. وختمت مقالها بالقول ان أية أحداث فردية «إرهابية» تقع يجب ألا نعتبرها ممثلة للمجتمع الإسرائيلي لوصفه بالعنصرية. فالتطرف والمتطرفون موجودان في أيّ مجتمع كان. وتتساءل في الختام: لماذا لا يحق للدولة اليهودية الوحيدة في العالم الحفاظ على هويتها الدينية والوطنية، في أجواء من التسامح مع بقية المكونات، في الوقت الذي يحق للدول العربية ربط هويتها الوطنية بالهوية الإسلامية؟
***
لا شك أن مقال العاني تضمن الكثير من التحيّز لدولة عنصرية تعتبر الغير «أغيارا»! ولكن لو نظرنا لأنفسنا لوجدنا اننا لا نقل عنها عنصرية وبغضاً للآخر. وأعتقد لو خيّر «عرب إسرائيل» بين الخروج منها، مقابل منحهم جنسية أية دولة عربية أخرى لاختاروا البقاء حيث هم، وليس في هذا القول أية مبالغة!
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw