هل هو غباء دنماركي وفرنسي؟
في سبتمبر 2005 قامت صحيفة دنماركية بنشر كاريكاتيرات مسيئة للنبي، وأعادت نشرها صحف أوروبية واميركية أخرى. أساءت الصور لمشاعر العرب والمسلمين وقامت تظاهرات في الكثير منها واحرقت سفارات ومكاتب تجارية، وعاد كل شيء بعدها لسابق وضعه، وكانت خسارة المواطن، العربي والمسلم، أكبر من غيره بكثير. وفي الكويت قامت جمعيات تعاونية وجهات أخرى في حينها برد فعل طفولي يفتقد الرزانة، وهذا ما سبق أن كتبنا عنه، عندما قامت بإتلاف جميع المنتجات الدنماركية، المدفوعة الثمن، ورميها في القمامة، بدلا من استهلاكها، ومقاطعة كل منتجات الدول التي نشرت الرسوم، وبالذات الدنمارك! وما ان خفت صوت الاحتجاجات، حتى تبين للكل أن مشترياتنا من الدنمارك وغيرها لا تمثل لها شيئا، وإننا بحاجة لها أكثر مما هي بحاجة لنا، وأن من المستحيل تقريبا الحصول على إبر إنسولين، مثلا، أفضل من الدنماركية.
***
ما حدث قبل 15 عاما تكرر مع فرنسا قبل أيام، بعد رد فعلها العنيف ضد المسلمين فيها نتيجة قيام شاب مسلم بـ«حز رقبة» مواطن فرنسي بسبب رسوم كاريكاتيرية مسيئة، حيث شاركت جهات عدة منها جمعيات تعاونية سبق أن سرق العديد منها مساهموها. كما قامت القبس المعروفة برصانتها، بوصف الوضع بـ«انتفاضة الكويت بمختلف تياراتها وطوائفها ضد الإساءات الصادرة عن فرنسا للدين»! وكيف أن وسائل التواصل ضجّت بدعوات لمقاطعة المنتجات الفرنسية، واتخاذ موقف منها وسحب السفراء لما يمثّله موقفها من إهانة، وكيف أن دولا ومرجعيات إسلامية دانت مقتل المعلم الفرنسي «صامويل باتي»، متبعة اداناتها، كالعادة، بـ... ولكن!!
***
هناك بضعة أمور لا يود البعض فهمها. فكل هذا الزوبعة ستختفي وستعود الأمور لوضعها السابق، فنحن أضعف من أن نواجه قوى العالم الكبرى بأكثر من الاحتجاجات من خلال مانشيتات الصحف، وتغريدات وتصريحات وصراخ مرشحين سياسيين، والمطالبة بمقاطعة المنتجات وطرد السفراء. قد نتفق على ضرورة الرد على إهانات فرنسا، ولكن اين كنا عندما اعتدت، ولا تزال، دول عديدة أخرى على مسلميها، وقتلت مئات الآلاف منهم؟ والأمر الآخر هو عدم الاختلاف على أهمية الدفاع عن الرموز الدينية، ولكن ذلك يجب ألا يكون بإطلاق الرصاص على اقدامنا، بل بالعمل الجاد والدؤوب نحو الاهتمام بحقوق الإنسان في دولنا، والتعامل باحترام مع الاقليات الدينية، والتركيز على نبذ التعصب وإغلاق المراكز والأحزاب الدينية المتطرفة. كما علينا السعي، مثلما فعل النشطاء اليهود، باستصدار تشريعات تدين من يتعرض لرموزنا بالسوء، في دولهم، وليس بذبح الناس على الطرقات، وحصدهم برصاص الرشاشات، على صيحات «الله أكبر»! كما يجب علينا التوقف عن تدريس والدعوة لقتل الآخر، المشرك وغير المسلم، في مدارسنا ومن على منابر مساجدنا الحكومية الرسمية، ثم المسارعة وإدانة أفعال كل من يستجيب لتلك الدروس والدعوات. لقد وقعت في دولنا مصائب يشيب لها الولدان، فقد سحقت إنسانية البشر في مجتمعاتنا، ومع هذا لم نسمع أحدا يطالب بما نطالب به فرنسا اليوم، فهل احترمنا آدمية مسلمينا لكي يحترم الآخرون آدمية مسلميهم. لقد وصفنا إسرائيل، على مدى 70 عاما، بعدوتنا الأولى والكبرى والأخيرة. وذكرت في مقال نشر قبل بضعة أيام، بأن لا أحد من «مواطنيها»، العرب المسلمين، على استعداد للتخلي عن جنسيتها مقابل جنسية اية دولة عربية (!!) ولم يرد أحد ليقول بخطأ ما ذكرت. فعشرات ملايين اللاجئين، من عرب ومسلمين، يعيشون بيننا في مستويات مخزية ومحزنة، ومع هذا لم يرف لنا جفن، والآن نريد مقاطعة فرنسا وحتى حرقها لأنها اساءت لرموزنا! سأتوقف هنا، معترفا بتعبي نفسيا، بعد أن شعرت بأن هناك، في هذه اللحظة، مئة مليون عربي على استعداد للهجرة إلى.. فرنسا!
***
ملاحظة: أغلبية المطالبين بالمقاطعة مزايدون، مثل الذين يصدرون فتاوى القتل وينتظرون من غيرهم تنفيذها. نطالب الحكومة بأخذ المبادرة وإتلاف عشرات ملايين البطاقات المدنية وإجازات القيادة وجوازات السفر وبطاقات الجنسية (صنع فرنسا) وطلب غيرها من مصادر أخرى. أثناء ذلك، يلتزم الجميع، مواطنين ومقيمين، عدم السفر أو قيادة السيارة أو المشاركة في الانتخابات! فمن غير المعقول مقاطعة وإتلاف جبنة بمئة فلس، والاستمرار في استخدام جواز سفر بعشرة دنانير، والاثنان من فرنسا!!
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw