تعليم الأخ توماس

كتب توماس فريدمان في «نيويورك تايمز» بأنه عندما يُسأل عن أفضل بلد، عدا وطنه، فإنه يجيب: تايوان! فتايوان بلد خال من أي موارد طبيعية وأرضه صخرية ويقع في بحر تتلاطمه العواصف، وبحاجة لاستيراد كل شيء حتى الرمل والبحص، ومع هذا يمتلك رابع أفضل احتياطي مالي في العالم، لأنه اختار الحفر في عقول أبنائه بحثاً عن الإبداع بدلاً من الحفر في الأرض بحثاً عن المعادن، فالبشر هم طاقته الوحيدة غير الناضبة والقابلة للتجديد. ويقول فريدمان إنه وجد إجابة لتفوق تايوان في دراسة عن مخرجات التعليم في 65 دولة في مرحلة الثانوية، مقارنة بما تحققه كل منها من دخل من مصادرها الطبيعية، وأن هناك علاقة سلبية بين الثراء المتحقق من الموارد الطبيعية، كالنفط، ومخرجات التعليم وما يحصل عليه الطلبة من معرفة ومهارات، وأن الظاهرة عالمية. وبيّنت الدراسة أن طلبة سنغافورة وفنلندا وكوريا وهونغ كونغ واليابان حققوا أفضل النتائج بالرغم من خلو دولهم من الموارد الطبيعية، بينما حقق طلبة ثانويات قطر وكازاخستان والكويت وسوريا والجزائر وإيران أسوأ النتائج، وحقق طلبة لبنان والأردن وتركيا، الأقل في مواردهم الطبيعية، نتائج أفضل. وأن طلبة دول مثل: البرازيل والمكسيك والأرجنتين، الغنية بالموارد الطبيعية، حققوا نتائج متواضعة في الوقت الذي حقق فيه طلبة كندا وأستراليا والنرويج، الذين تتمتع دولهم بغنى الموارد نفسه، نتائج جيدة، لأن هذه الدول حافظت على ثرواتها بطريقة سليمة، وأعادت إحياءها، واستغلت العوائد بطرق سليمة، وابتعدت عن استهلاك ما حققته من ثروات في الرواتب والمنح، كما نفعل .. بجنون واضح. ويقول فريدمان: إنه يمكن قياس تقدم دولة ما من خلال ما تنفقه على «خلق» المدرس الناجح، وتربية الأبناء وزرع الجدية فيهم والاهتمام بمقرراتهم، وليس بما تمتلكه من ذهب وألماس ونفط. فمستوى مخرجات التعليم هو الذي سيحدد قوة أمم المستقبل وثراءها وليس الدخل من الموارد الطبيعية، ولو نظرنا إلى جنسية غالبية الشركات المدرجة في سوق ناسداك، بخلاف الاقتصادات الكبرى، لوجدنا أن جميعها فقيرة في مواردها الطبيعية، فالمعرفة والمهارات هما عملة المستقبل. ويختم فريدمان مقاله بأن من المفيد أن يكون لدى دولة ما نفط وغاز وألماس، ولكنها تصبح بلا جدوى إن لم تستغل بطريقة سليمة، خصوصاً أن هذه الموارد تضعف أي مجتمع في المدى البعيد، إن لم يتم الاهتمام بالتعليم والإيمان التام بالثقافة، فالذي يحرك الإنسان ليس الذي يأتي إليه طوعاً، بل ما يدفعه ليحضره بنفسه.

* * *

لا شك لدي إن بعضا من حكومتنا قد قرأ هذا الكلام أو عرف مضمونه من مصادر أخرى، ويعلم هذا البعض أن لا شيء يمكن تحقيقه لضمان مستقبل أي شعب، بغير التعليم، فماذا فعلوا؟ الجواب لا شيء! ففهم الرسالة يختلف عن تطبيق مضمونها، فكتابة سطر واحد في صيغة سؤال، على محرك غوغل، عن سبب تخلف دولة ما، ستعطينا الجواب، ولكن الصعوبة تكمن فيما يجب القيام به بعدها.

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top