نحن ومعاداة السامية والخط الفاصل

اكتسبت قضية «معاداة السامية»، أو اليهود بالتحديد، اهتماماً مع انتهاء الحرب العالمية الثانية، بعض أن تبين حجم المآسي التي تعرض لها اليهود في أوروبا، وألمانيا بالذات، مع كل ما رافق موضوع الإبادة من اختلاف على أعداد من قتل أو أحرق في معسكرات التعذيب، ولم يقلل ذلك من حجم الجريمة الإنسانية بحق أولئك الأبرياء. معاداة السامية ليست قضية جديدة بل تعود جذورها للأيام الأولى من المسيحية، وتالياً الإسلام. وبدأت في الوجدان المسيحي مع «حادثة» خيانة «يهوذا الاسخريوطي judas iscariot» للمسيح، وما نتج عنه من صلب المسيح تالياً بسببه، ونزول اللعنة الأبدية على اليهود، إلى أن قام الفاتيكان «الكاثوليكي» قبل بضعة عقود برفع المسؤولية عن قتل المسيح من على كاهل اليهود وتبرئتهم من دمه. استعمل مصطلح معاداة السامية لأول مرة من قبل الألماني فيلهم مار لوصف موجة عداء اليهود في أوروبا في أواسط القرن التاسع عشر. وعلى الرغم من انتماء العرب والآشوريين وغيرهم إلى الساميين، فإن معاداة الأوروبيين لهم لا تقارن بمعاداتهم لليهود، وهذا ما أدى لطرد معظمهم من دول أوروبا الغربية إلى شرقها ووسطها وبلاد المغرب العربي. كما تشكلت في العصر الحديث أحزاب سياسية معادية للسامية في ألمانيا وفرنسا والنمسا، وكان اليهود محل شك في ولائهم لأوطانهم، أينما تواجدوا. وبلغت المعاداة ذروتها مع وصول هتلر والحزب النازي لحكم ألمانيا عام 1933. وعلى الرغم من أن اليهود عاشوا في بعض الحقب بسلام مع المسلمين في الشرق، تبعاً لمزاج الحاكم، فإنهم لقوا مختلف أشكال التمييز ضدهم، وأجبروا على ارتداء زي خاص يميزهم. كما أن تعاملهم بالفوائد الربوية جعلهم هدفاً لأعدائهم، وبالتالي تعرضوا لمجازر عدة منها مجزرة صفد عام 1838 عندما قام مسلمون ودروز بقتلهم ونهب أملاكهم. كما تسبب الفراغ السياسي في العراق، بعد سقوط حكومة الكيلاني لتعرض اليهود، املاكاً وارواحاً، للاعتداء بالسلب والقتل، خاصة بعد إعلان تأسيس إسرائيل. وبالعودة لوضع اليهود في فرنسا نجد انهم حتى اليوم يتعرضون لمضايقات كثيرة، ولهم أعداء ضمن نخبة المجتمع الفرنسي، وهذا دفع زعماء اليهود للسعي لتجريم معاداة الصهيونية، كما سبق أن نجحوا في تجريم معاداة السامية، وبالطريقة نفسها التي يعاقب بها القانون الفرنسي التمييز العنصري وكراهية الأجانب، بشكل عام. ومفردة الصهيونية هي سياسية بالأساس وظهرت في القرن الـ19 وتبناها ثيودور هرتزل، وتهدف لتشجيع إنشاء وطن قومي يهودي في أرض إسرائيل، لشبه استحالة اندماجهم في بلدانهم، حسب رأي هرتزل. من كل ذلك نرى أن الدول الغربية تتعامل مع مشاكلها وقضاياها، الدينية الحساسة، بطريقة محترفة وقانونية، وهذا ما أحسنت إسرائيل في استغلاله لمصلحتها، وهو ما فشلنا فيه، وأراد البعض منا، الأكثر سذاجة والأقل تعليماً، أخذ الأمور بأيدهم والقصاص من أي طرف يقوم بالإساءة إلى رموز الإسلام، معرضين الملايين، وبينهم أهل وأصدقاء لهم، لخطر كبير، من دون نتيجة حاسمة. وبالتالي نحن بحاجة إلى التصرف بعقلانية إزاء مواضيع معاداة الغرب، أو الفرنسيين بالذات، لرموز المسلمين الدينية. فقبول أحدها قد يدفع آخرين للقيام بأعمال إرهابية للمطالبة بتحريم الإساءة إلى رموز أخرى، فأين ينتهي الخط الفاصل؟ وبالتالي ليس أمام المسلمين الغيارى غير المشرِّع الفرنسي لحماية رموزنا من الإساءة، وليس قطع رؤوس من لا يعجبنا!

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw



الارشيف

Back to Top