مرسوم الضرورة.. وعشرة آلاف يوم
عشرة آلاف يوم تعادل 30 عاماً. فمنذ ثلاثين عاماً، ونحن نعاني من الداخل والخارج ونتألم، ونشكو من الفساد ولا من يسمع! ثلاثون عاماً وأمراض الديسك والآلام تغزو ظهورنا ببطء، ونحن صامتون. ثلاثون عاما ومركباتنا تتكّسر، وإطاراتها تتلف، وكل فرد وشركة ومال عام يتكلفون الكثير لتغيير زجاج سياراتهم المهشّمة. ثلاثون عاماً من المعاناة والشكاوى في الصحف والبرلمان، وعبر المقالات والخطب والحكومة تسمع وتفهم ولا تقوم بفعل شيء. ثلاثون عاما وأغلبية شركات مقاولات الطرق تسرق وتنهب كل ما يخصص من أموال طائلة لتعبيد الطرق وصيانتها، فهي السبب في سوء المصنعية، على مدى ثلاثين عاما، وهي نفسها التي يطلب منها تالياً صيانة وتصليح ما قامت هي بتخريبه أساساً، وكل ذلك بسبب خراب ذمم معظم كبار موظفي الوزارة وصغارها، ثم جاءت وزيرة أشغال فاضلة وقلبت الدنيا، ومسحت الأرض بعدد من شركات المقاولات والمكاتب الهندسية، وأغلقت خرابات مصانع الأسفلت ووضعت معايير دقيقة للخلطة الأسفلتية، وتخلّصت من الموظفين الفاسدين، لكنهم اضطروها إلى الاستقالة، بعد أن أنهكتها حروب الشركات الكبرى وقوى الفساد ضدها، التي سعت جاهدة، بالتعاون مع «ملتحين» معروفين لأن تكون خارج دائرة الحظوة، فيخلو لهم الجو. بفضل جنان بوشهري، وفضل رنا الفارس أصبحنا اليوم نجد طرقاً نستمتع بالقيادة عليها واستخدامها، بعد أن أُنهكنا لثلاثين عاماً من سوء مصنعيتها، ونهش المخربين لأموال الدولة العامة. ولكنا ندمنا على كل ما قمنا به، لأن هناك فئة حوّلت جمال طرقنا لمأساة حقيقية، وجعلتنا بالفعل لا نستحقها، وعلى كل الأموال التي صرفت عليها. ففي الأسبوع الماضي، اضطررت ــــ على مدى ليالٍ ثلاث ــــ إلى الذهاب لشاليهات بنيدر والضباعية على طريقي الملك فهد والفحيحيل، وأصبت لأول مرة، منذ 1961، بالرعب وكره قيادة السيارات التي كنت أستمتع بها. فعلى الرغم من أن وزن سيارتي يبلغ طنين ونصف الطن تقريباً، وهو ضعف وزن أي مركبة عادية، فإنها كانت تميل بي ذات اليمين وذات الشمال من قوة دفع الهواء الذي كانت تتسبّب فيه السيارات الأخرى التي كانت تمر بي بسرعة غير عادية. وكان خوفي وانزعاجي يتزايد كلما تذكرت ما أخبرني به صديق دكتور من أن أغلبية هؤلاء يكونون تحت تأثير مواد مخدرة؛ كالشبو وغير ذلك، وهم يشعرون وكأنهم سادة الطريق. ما هالني أكثر ليس فقط عدد المخالفات التي كانت ترتكب من حولي في كل دقيقة، بل عدد سيارات النجدة والشرطة، على طول الطريقين وفي الاتجاهين، بإضاءاتها الحمراء والزرقاء وهي تلاحق هؤلاء أو تخالف غيرهم، وكأننا نعيش جميعاً في غابة! ما رأيته في تلك الليالي الثلاث كان مرعبا بالفعل، ومنظرا لم أرَ مثله على مدى ستين عاماًُ من القيادة، وشعوراً بالأسف على ضياع جهود عشرات سيارات النجدة في ملاحقة سائقين مجرمين بالفعل، لا تستحق إلا أن توضع في مصحّات عقلية وتعالج! نقلت همومي مع بداية الأسبوع لمسؤول كبير في «المرور» فقال إن السبب في كل هذا الاستهتار هو ضعف عقوبات مخالفات المرور، فأغلبية «شعبنا» لا يتعلم إلا من خلال «محفظته»، والعقوبات الحالية ليست رادعة، والمرور بانتظار إقرار القانون القابع منذ سنوات في أدراج مجلس الأمة. سينتهي هذا الإعلان خلال 30 نتمنى على سمو رئيس مجلس الوزراء سحبه من المجلس وإقراره بمرسوم؛ فالجميع بحاجة ماسّة إلى قانون رادع.
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw