مقال الأربعين مليون قارئ

كتبت في 22 /‏ 7 /‏ 2014 مقالاً بعنوان «اخرجوا أيها المسيحيون من أوطاننا». لقي المقال في حينه، ولا يزال، انتشارا غير مسبوق، وأصبح ربما المقال الأشهر في تاريخ الصحافة العربية، لتزامن نشره مع تصاعد أعمال داعش الإرهابية ضد مسيحيي دولنا، وملح أرضها. أعيد الآن نشر المقال بمناسبة انتشار مقال آخر يعود لتاريخ 23 أبريل 2016 بعنوان «يا مسلمينا.. اخرجوا من ديارنا»، سأعيد نشره، بتصرف، لما يحمل من مضامين، لا تزال تشكل ألماً للكثيرين:

***

أولاً: المقال القديم: اخرجوا يا مسيحيي دمشق ويبرود ومعلولا من أوطاننا، واخرجوا يا مسيحيي الموصل ونينوى وبغداد من بلداننا، واخرجوا يا مسيحيي لبنان من جبالنا وودياننا، واخرجوا يا مسيحيي فلسطين والجزيرة من شواطئنا وترابنا، اخرجوا جميعا من تحت جلودنا، اخرجوا، فنحن نبغضكم، ولا نريدكم بيننا. اخرجوا فقد سئمنا التقدم والحضارة والانفتاح والتسامح والمحبة والإخاء والتعايش والعفو! اخرجوا لنتفرغ لقتل بعضنا البعض، اخرجوا فأنتم لستم منا ولا نحن منكم، اخرجوا فقد سئمنا كونكم الأصل في مصر والعراق وسوريا وفلسطين، اخرجوا كيلا نشعر بالخجل عندما تتلاقى اعيننا بأعينكم المتسائلة عما جرى؟ اخرجوا واتركونا مع مصائبنا، فهناك من يرحب بكم، لنبقى هنا بعيدين عنكم وعن ادعاءاتكم وعلمكم وخبراتكم، اخرجوا واتركونا مع التعصب والبغضاء والكراهية، اخرجوا فقد فاض بنا تحمل ما تدعونه من حضارة، وبخروجكم سنتفرغ لإنهاء ما تبقى من آثارها، وتحطيم ما تركه أجدادكم من أوثان وأصنام وآثار، من حجر وشعر ونثر وأدب. اخرجوا فلا العراق ولا مصر ولا سوريا ولا الكويت ولا فلسطين ولا الأردن ولا الشمال الافريقي بحاجة لكم ولا لمن سكن بيننا قبلكم من غجر ويهود وحجر، اذهبوا واخرجوا وخذوا معكم الرحمة، فنحن بعد داعش والقاعدة والنصرة لسنا بحاجة للتعاطف والرحمة، فلندع الدماء تسيل والعنف ينتشر والقلوب تتقطع والأكباد تؤكل، والألسنة تخلع والرقاب تجز والركب تهشم، ونعود للطب القديم والمعالجة بالأعشاب وقراءة الأصفر من الكتب والضرب في الرمل، بحثا عن حظ آفل. ارحلوا يا مسيحيينا وخذوا معكم كل آثار ورفات جبران وسركون بولص والكرملي ويوسف الصائغ وسعدي المالح وابناء تقلا واليازجي والبستاني والأخطل الصغير، وخذوا جامعاتكم ومستشفياتكم معكم واغلقوا إرسالياتكم، فحتى ميخائيل نعيمة لسنا بحاجة له، ولا لمي زيادة أو ابناء معلوف وصروف وغالي وزيدان والخازن وبسترس وثابت والسكاكيني، فهؤلاء جميعا ليسوا منا ولسنا منهم. نعم ارحلوا عنا فإننا نريد العودة إلى صحارينا، فقد اشتقنا إلى سيوفنا واتربتنا ودوابنا، ولسنا بحاجة لكم ولا لمساهماتكم اللغوية والشعرية، فلدينا ما يغنينا عنكم من أشعار القتل وسفك الدماء. اغربوا ايها المسيحيون عنا، فقد استبدلناكم بثقافة حفر القبور.

***

المقال الأقدم: يا مسلمينا، عودوا لأوطانكم: يا مسلمي فرنسا وبلجيكا وبريطانيا والمانيا، ويا مسلمي بقية أوروبا وأميركا، لقد تعبنا منكم، فخذوا «عفشكم»، وارتحلوا عنا، وعودوا لأوطانكم، عودوا وخذوا معكم مدارسكم فربما سئمتم علمانية مدارسنا. كما انقلوا أفكاركم معكم، فأوطانكم بحاجة لها. واقتلعوا ما زرعتم، إن زرعتم شيئا أصلا، فشمس بلادكم بحاجة لظلالها، خاصة وانتم تكرهون برودة طقسنا، فاتركونا مع أمطارنا وعواصفنا المدمرة. ارحلوا عنا، فأنتم تكرهون صلباننا، وتزعجكم أجراس كنائسنا، وتغيظكم أردية رهباننا، وتثيركم أناشيد صلواتنا. ماذا تريدون منا؟ الا تعتبرون طعامنا حراما، وملابسنا نجسة وبيوتنا قذرة؟ إذن لماذا لا تعودون لأطعمتكم الحلال ولملابسكم الطاهرة ولبيوتكم المباركة؟ تهزؤون منا وتصفوننا بالقذارة؛ لأننا لا نغتسل بما يكفي! لن نختلف معكم، ونؤكد ظنونكم، وعليه ارحلوا واتركونا مع نجاستنا! تقولون اننا ناقصو «غيرة»، ولا تعنينا قضايا الشرف! ولكن ألا تخافون من أن يتأثر بنا ابناؤكم مستقبلا، ويصبحوا مثلنا ناقصي «غيرة»، فلم لا ترحلون عنا بشرفكم وعرضكم وعفتكم؟ تلوموننا لأننا ندير الخد لمن يصفعنا، وهنا ايضا لن نختلف معكم، بالرغم من أننا أنقذنا العالم مرتين في العصر الحديث من كبار الطغاة، ولكن لا تنسوا أن التسامح معدٍ، ويوماً ما ستصبح أسركم مثلنا، فلم لا ترحلون عنا، قبل أن تصابوا بأوبئة العفو والمحبة؟ تكرهون أعيادنا، وتبغضون تماثيلنا وتسخرون من أيقوناتنا، وتعتبرونها شركا ووثنية، وترفضون أشجار الميلاد، وبيض الإيستر، وتحرمون إهداء الزهور، وتحرمون كل ما له علاقة بالخنزير، لحما ومواد، فلم لا تعودون الى خرافكم وابقاركم وجمالكم كي ترعوها وتحلبوها وتأكلوا لحومها الحلال كما تشتهون، وتتركونا مع خنازيرنا، واشكالها «الكريهة»؟ تكرهون العلمانية في أوطانكم، ولكنكم تغامرون بحياتكم لكي تأتوا لعلمانيتنا وتعيشوا تحت ظلها. وما إن تستقروا، حتى تطالبوا بمزاياها، وبحقوق المواطنة والمساواة. وتمنعون الغير من إقامة دور العبادة في دياركم، أو مقابر خاصة، وما ان تطأ اقدامكم أوطاننا حتى ترتفع عقيرتكم مطالبة بمساجد ومقابر خاصة بكم. لا تحبون موسيقانا، ولا تميلون لفنوننا، وتسخرون من أوبريهاتنا، وترفضون ثقافتنا، ولكنكم تستميتون لأن تأتوا لنا. لا نقول إلا شكرا لكم، ولمساهماتكم الثقافية والصناعية والعلمية، والآن أكرمونا بعودتكم الى جناتكم التي سبق ان قدمتم منها، فهي بحاجة أكثر الى معارفكم، فقد فاض الكيل بنا.

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top