توقع غير المتوقع
تقدمت قبل 35 عاماً للحصول على إجازة قيادة مركبة في بريطانيا. وهنا سألت أكثر من صديق عما يجب عليّ الانتباه إليه أثناء الفحص، فلفت كل واحد نظري إلى نقطة مختلفة، ولكنهم أجمعوا على ضرورة تجنب رشوة الممتحن، أو حتى محاولة كسب رضاه من خلال تجاذب أطراف الحديث معه، فهؤلاء مشهورون باستقامتهم! ويا ويلي ويلاه على اللي عندنا؟ المهم، ذهبت في الموعد، وأخذني الضابط في سيارتي لشارع تقف مركبات على جانبيه، وطلب مني التوقف في منتصف الشارع، وأن أذكر الأشياء التي يجب عليّ الالتفات إليها، وأنا أقود سيارتي في وسطه! فذكرت الأطفال والحيوانات الأليفة، والسبب أن ارتفاع قاماتها أقل من الارتفاع العادي للسيارات، وخروجها فجأة بين السيارات قد يتسبب في وقوع حادث، وان عليّ توقع غير المتوقع! تذكرت تلك القصة وأنا أشاهد «يوتيوب» عن موضوع awareness test أو «اختبار الوعي أو الانتباه»، والذي بيّن أننا غالباً ما لا نشاهد أو ننتبه إلى أمور كثيرة في حياتنا إذا لم نكن نتوقع رؤيتها في إطار أو مكان محدد! وفي اختبار طريف يتعلق بتوقع غير المتوقع تظهر شخصيات عدة على مسرح جريمة، والضحية هو صاحب البيت، الملقى على الأرض، وضابط شرطة يحقق مع المتهمين، العاملين في بيت الضحية، وبتوجيه بضعة أسئلة دقيقة لهم يتوصل الضابط للجاني. ولكن عند إعادة شريط التحقيق بالسرعة البطيئة نلاحظ أن أشياء كثيرة قد تغيرت أثناء الاستجواب مثل ملابس الضحية ولون شعره ومكان اللوحة على الحائط، فأثناء انشغالنا بالاستماع إلى أسئلة الضابط المحقق، ونحن مبهورون ومتشوقون لمعرفة الجاني، لا نلاحظ عادة ما يحدث من تغيرات في إطار المسرح، أو التحقيق، فهذه أمور لم نتوقع أن تحصل، وبالتالي لم نلاحظها أو ننتبه إليها! وفي اختبار آخر لقوة الإدراك أو الوعي يظهر فريقا كرة سلة، وتبدأ المباراة بينهما، ويطلب من المشاهد أن يعد عدد تمريرات الكرة بين لاعبي فريق منهما، وقد توصل البعض إلى رقم 13 تمريرة، والجواب صحيح. ولكن عندما تم عرض شريط المباراة بالسرعة البطيئة اكتشفنا أن رجلاً متنكراً في زي دب كبير يمر بين اللاعبين ويقف في وسطهم ويقوم بعدة حركات مضحكة، ولكننا لم ننتبه إليه! وحدث ذلك ليس فقط لأننا كنا نركز اهتمامنا على عدد التمريرات بين لاعبي الفريق، بل وأيضاً، وهذا هو المهم، لأننا لم نتوقع أن شخصاً ما، مرتدياً رأس دب ضخم، سيمر بين اللاعبين ويقوم بحركات مضحكة! المغزى هنا أننا يجب أن نكون واعين أثناء قيادة مركباتنا، وألا نسهو عما يدور حولنا ونحن نراقب شيئاً آخر، وأن نتوقع غير المتوقع، وهذا ما تدعو إليه إعلانات الداخلية! وأجزم هنا أن من وضعها، أو قرأها، وهذا يشملني، لم يعرف يوماً أساس الفكرة من وراء ذلك الإعلان، وإننا عادة لا نلاحظ ما لا نتوقع وجوده ضمن إطار محدد!.