عثرات وصدمات في الطريق (1 - 2)

بدأ التعليم النظامي في الكويت خاصّا بعد رفض السلطة المساهمة بشيء في تأسيس «المباركية»، كأول مدرسة من نوعها، وسميت باسم مؤسس الكويت الحديثة، الشيخ مبارك الصباح (1837 ــ 1915)، وكان ذلك عام 1912، وكان التعليم قبلها، وحتى بعدها بفترة طويلة، بدائياً في غالبه، ويُؤدى من خلال الكتاتيب.

***

مبادرة بناء المدرسة المباركية بدأت كمبادرة شعبية، ولكن من تصدوا للفكرة لم يجمعوا غير مبلغ 50 ألف روبية تقريبا لبنائها، وكان أقل بثلاثين ألف روبية من المطلوب. كاد المشروع أن يفشل لولا قيام الثريين، قاسم وعبدالرحمن الإبراهيم، المعروفين بكرمهما، بالتبرع ببقية المبلغ من الهند، حيث كانا يعملان، مع اشتراطهما أن يكون التعليم فيها عصرياً، ولا يقتصر على المواد الدينية، كما جرت العادة.

***

ليس هناك ما يوضح كيفية وتاريخ انتقال إدارة المدرسة المباركية للحكومة، وغالباً تم التخلي عنها للدولة مع الكساد الكبير الذي أصاب المنطقة إثر انهيار أسعار اللؤلؤ، وكان ذلك في بداية ثلاثينيات القرن الماضي. بعد تأسيس المباركية بعشر سنوات تقريبا قام تاجر اللؤلؤ شملان بن سيف، وكان من كبار المتبرعين للمباركية، بافتتاح مدرسة السعادة، وكان ذلك في حي «ابن خميس» في منطقة الشرق، وكان الخميس أول ناظر لها، لكنها أقفلت مع المباركية، وللأسباب نفسها. وفي عام 1938 قام وجهاء شيعة ببناء المدرسة الجعفرية، التي تعتبر اليوم أقدم مدرسة خاصة لا تزال تعمل، وكان لآل معرفي الدور الأكبر في تأسيسها. وعلى الرغم من أنني لم أعرف يوما بالدقة موقعها، إلا أنني كنت، وأنا صغير، ألمس مستواها الدراسي العالي، وذلك من خلال مستوى طلبتها الذين كانوا يلتحقون بنا في المدارس الحكومية ليكملوا دراستهم، حيث كانوا جميعاً أفضل منا في الرياضيات واللغتين العربية والإنكليزية. وسبق أن ذكرت في مقابلة أجراها الإعلامي المعروف يوسف الجاسم عن التعليم الخاص أنه لم يلقَ، تاريخياً، ما يكفي من اهتمام الحكومة، وربما يشمل ذلك التعليم العام، بخلاف الصرف المالي على رواتب كادرها التعليمي ومبانيها، وذلك سبب الانطباع أن المدارس غير الحكومية هي لغير الكويتيين، ولكن مع الارتفاع المستمر في جودة مخرجاتها، الذي صاحبه انحدار مستوى مخرجات المدارس الحكومية، انقلب الوضع، حيث أصبحت غالبية طلبة المدارس الخاصة، المميزة، من ابناء المواطنين المقتدرين. يعتقد البعض أن سبب تخلف التعليم العام يعود أساسا الى غياب سياسة تعليم وطنية واضحة، مما سمح للتيار الديني بالسيطرة على مفاصل التعليم على مدى عقود، وتصدي تلك القوى لأي جهود إصلاحية، بحيث أصبح الوضع حالياً غير قابل تقريبا للإصلاح من دون دعم كامل من الحكومة من خلال ثورة تعليمية كاملة، تصاحبها حركة «تنظيف» الوزارة من كل فلول الأحزاب الدينية، ولو كانوا في إدارة النقليات! والطريف، أو ربما الغريب، أن الحكومة لم تقم يوما بتعيين مدير لإدارة المدارس الخاصة من خريجي هذه المدارس أو الجامعات، وبالتالي كان موقف هؤلاء، بشكل عام ومتوقّع، سلبياً منها، ربما أيضاً لعدم إدراكهم ما يعنيه هذا النوع من التعليم من أهمية خطيرة.

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top