«حماس».. بين الدنيا والآخرة
يعتبر المكون المسيحي من الشعب الفلسطيني الأهم والأقدم لارتباط تاريخه بالأرض لفترة سابقة على الإسلام بستة قرون. ومع هذا لا نجد للمسيحي وجوداً حقيقياً ضمن كوادر حركة المقاومة، منذ اندلاعها، إلا ما ندر، بالرغم مما يمثله وجودهم من أهمية وتأثير معنوي، خاصة لدى دول الغرب. والمؤسف أن الأمر لم يقتصر على تهميش دورهم، بالرغم من نسبتهم الكبيرة، وتعليمهم الأفضل، بل وصل لدرجة العداء وتشجيع بعض «الحركات» لهم على الهجرة، وهذا أضعف وجودهم في الحراكين، المدني والعسكري. وبخلاف «حنان عشراوي»، فإن من ظهر على الساحة من «زعامات فلسطينية مسيحية»، كجورج حبش ونايف حواتمة، كانوا في الغالب من صنع أنفسهم، ولم يستعَن بهم!
***
من مظاهر هذا العداء التعميم، الذي صدر قبل أيام في غزة، والذي دعا الى «الحد من التفاعل مع الكريسماس»، وبالتبعية احتفالات رأس السنة، وغيرها من فعاليات دينية مسيحية!! وهذا يعني أن الإدارة السياسية في غزة، الممثلة للمقاومة، لا ترغب في وجود أية مظاهر تتعلق بأعياد غير المسلمين، حتى لو تمثل ذلك في شجرة ميلاد توضع أمام دكان أو في وسط ساحة جرداء صغيرة.
***
يمكن للبعض تقبل هذا «الترف» في العداء للمسيحيين من قبل سلطات شعوب مرتاحة، ولا تعاني من كل مظالم التهجير والاحتلال، ولكن كيف يمكن قبوله من شعب يناضل منذ 80 عاما لتحرير أرضه! وكيف توضع مسؤولية التحرير بيد من يضطهد عمدا فئة أصيلة من شعبه، فقط لاختلاف في العقيدة الدينية؟ وهل من المعقول أن تعامل إسرائيل «مواطنها العربي المسيحي» بطريقة أفضل من معاملة الفلسطيني المسلم لمواطنه المسيحي؟ وهل هذا موقف يمكن تقبله لشعب يسعى جاهدا لتحرير أرضه من مغتصب، وتثيره، أو تجرح مشاعره، رؤية شجرة ميلاد مصنوعة من البلاستيك في الصين، وغالبا من نفط عربي؟
***
كيف يمكن أن نتوقع الإخلاص والحماس، يا حماس، من فلسطيني مسيحي أن يكون شريكا في النضال، وهو عاجز عن الحصول على أبسط حقوقه الدينية في الاحتفال بطريقته الخاصة في يوم في السنة؟
***
من حق الفلسطيني، الحمساوي أو الراملاوي، المسلم التمسك بدينه وعقيدته، وأن تكون لها الأولوية عنده، وقبل استعادة الوطن، ولكن يجب عدم تخوين، أو تهجير، من لا يشاركه في إيمانه نفسه، فالقضية مدنية سياسية، وليست حرباً دينية لضمان الجنة، وإن ضاعت الأرض ضاعت أشياء كثيرة معها. وما لا تود منظمات عسكرية مثل حماس وغيرها ادراكه أن الفلسطيني المسيحي، وأعرف عدداً كبيراً منهم، وافتخر بصداقتهم وأثمن علمهم وتربيتهم، بغير حاجة لشهادة في الوطنية من أية جهة، ولكن هذا الموقف السلبي منهم، منذ بداية الصراع جعل غالبيتهم أكثر ميلا من غيرهم لقبول فكرة الهجرة، فكيف لا وهم يعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية، في شبه دولة، فماذا سيحصل لهم في دولة كاملة السيادة!؟ ولماذا لا تفرق إسرائيل بين المقاوم الفلسطيني المسلم أو المسيحي، ويفعل جزء كبير من الفلسطينيين عكس ذلك مع مواطنيهم المسيحيين، أساس وجودهم؟ نقول ذلك ونستدرك قائلين بأن «التفرقة الفلسطينية» ليست استثناء من القاعدة العربية الإسلامية الخالدة.. في التفرقة!! وبالمناسبة: في مقابلة مع محمود الزهار ذكر أنه عندما كان وزيراً لخارجية حماس (!!) قام بزيارة طهران وطلب مساعدة، فسلّمه الجنرال «قاسم سليماني» حقائب تحتوي على 22 مليون دولار نقداً!
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw