متى يعود الوعي؟
كانت مصر يوماً كبيرة، كبيرة بدورها وبعلمائها ومفكريها وكتّابها وصحافييها وقضاتها ومهندسيها وأطبائها، وحتى بمدرسي أبسط مراحل التعليم. بلغت مصر الذروة في العصر الحديث من بداية القرن العشرين حتى منتصفه، واختفى الإبداع وبدأ التراجع مع وقوع حدثين، انقلاب 23 يوليو 1952، الذي مكّن العسكر من الإمساك بتلابيب الدولة، فتلاشت العظمة وراء العظمة تدريجياً. واستعانة من جاء بعدها بقوى التشدد الديني، فتم تغييب وعي الشعب تماماً، لينتهي الحال بمصر لتصبح الأكبر في المظالم والأعلى في المواليد والأكثر فساداً.
***
بعد رحيل ناصر عام 1970 بسنتين أصدر توفيق الحكيم، أحد كبار فترة مصر الذهبية، كتاب «عودة الوعي»، وأثار ضجة لما تضمنه من انتقاد شديد لحكم عبدالناصر وسياسته.
***
نحن في الكويت لسنا مصر، ولا بظروفها ولا بحجمها. كما أننا سعداء وراضون بأسرة الحكم، إلا أن الكويت أصبحت مؤخرا، مع التطورات المتسارعة في المنطقة والعالم، بحاجة لنوع من العودة لسابق وعيها الجميل. فقد بقينا، وخاصة بعد التحرير، وبإرادتنا المنفردة، رهائن ما يحصل في المنطقة، ومن جهة أخرى أسرى رغبات حزبين سياسيين دينيين!
***
تخلت العديد من دول الجوار ، مع الوقت، ولأسباب يطول سردها، عن كل تعقيدات وإرث الماضي وأصبحت «بين ليلة وضحاها» أكثر انفتاحاً وتسامحاً، وأصبح رجال أداة القمع الدينية السابقة فيها على رأس الداعين للانفتاح والترحيب بالزوار والسياح الأجانب، بالورود والابتسامة والكلمة الطيبة. كما نجحت مصر، حاضنة الإخوان، في التخلص من فكرهم وإرثهم، متفرغة لعصرنة الدولة، واللحاق بدول العالم الأخرى بعيدا عن التشدد والغلو الفاسد، وتطلب ذلك حل الحزب وإغلاق مقاره. وحدنا، من دون منظومتنا الإقليمية، الذين كنا يوماً الأكثر انفتاحاً وتسامحاً وإبداعاً بينها، استمر «خنوعنا» لقوى التخلف وتركهم يتحكمون بمقدراتنا، وكأن العالم من حولنا لم يتغير! فكيف يمكن فهم كل هذه «الحملة المضرية» بسبب قيام فندق بمخالفة تعليمات وزارة الصحة، وإقامة حفل في ليلة رأس السنة، مقارنة بسكوت القوى نفسها على جرائم حقيقية وسرقات معروفة وقصص فساد زكمت الأنوف؟ كيف رضينا أن تكون أولويات نواب وسياسيي هذه المرحلة، التي توسمنا فيها الخير، الاستمرار في الاهتمام بتفاهات الأمور، والتي يمكن لأي ضابط في مخفر تولي أمرها، وترك الخطير للزمن والصدف، بحجة مرضاة الله، فهل محاربة الفساد والقضاء عليه لا تتضمن مراعاة الله؟ كيف أصبحنا نزايد على الجارة الكبرى حتى على سابق تشددها، ونتمسك أكثر بما قررت هي هجره، بحيث أصبحنا الدولة الوحيدة في العالم التي ارتفع فيها حظ ونجم حزب الإخوان، بعد أن أفل في غيرها!
***
نعم، نريد عودة الوعي، فقد تعبنا من كل هذا الغلو. نريد عبدالحسين ونفيسي جديدين. نريد استمرار إبداع سعد، وعودة طرب شادي وتكريم منحوتات سامي محمد، وعودة فرقة تلفزيون السنعوسي للشروق، وظهور برامج إذاعية وتلفزيونية أفضل، وإطلاق طاقات سعاد وحياة وعشرات غيرهن من المبدعات. نريد للّحن أن يعود وللمسرح أن يحيا وللإذاعة أن تسمع وللتلفزيون ان يشاهد. نريد للمواطن والمقيم الاستمتاع بإبداعات شباب الوطن. نريد من يملأ مكان المرعب في الملعب، ويعوضنا عن العنبري ويعيد لنا من في مستوى «الدولة» هدافاً، والدخيل رياضياً. نريد للكتب والروايات والنصوص الأدبية السجينة أن تخرج للنور من أدراج رقيب ترك الوزارة، وهو جاهل بمن يكون جلال الدين. نريد وزيراً للثقافة معروفاً بثقافته، ويعرف ما يحتاجه الإنسان، وليس ما تتطلبه الأحزاب. نريد وزير تربية يعرف كيف يعلم ويربي حسب أفضل النظم العالمية الحديثة وليس حسب تعليمات سيد قطب، ويخاف من خزة عين «أبو بدر». فهل نطلب المستحيل؟ وأخيراً نتساءل: هل من يريد الإصلاح حقاً يختار نائباً بعينه، ليكون وزيراً؟
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw