الدكتور الدكتاتور

كانت اليونان القديمة أول من استخدم تعبير «عدو الشعب رقم واحد»، وتبعهم الرومان وغيرهم من الشعوب. وكثر استخدامه خلال الثورة الفرنسية، وتالياً الثورة السوفيتية، وغالبية الأنظمة القمعية، التي أطلقته على أعدائها. أما في العصر الحديث فأشهر من حصل عليه هو الملياردير الأميركي «جون روكفلر»، الذي تسببت احتكاراته المتعددة، في النصف الأول من القرن الماضي، في إفلاس مئات الشركات النفطية وشركات النقل وغيرها، ولكنه كفّر عن أفعاله وبخله الشهير تالياً بسخاء إنساني واسع، ومنه تبرعه بالأرض التي أقيم عليها مبنى الأمم المتحدة في نيويورك.

***

أصبح البعض مؤخراً يطلق هذا اللقب على وزير الصحة، الدكتور الدكتاتور، الشيخ باسل الصباح، لما تسببت به قراراته في توقف الأعمال وانهيار مؤسسات، وإفلاس شركات المطاعم والسياحة والسفر، وفقد عشرات الآلاف كامل مدخراتهم، وأضعافهم لوظائفهم، وهذا جعله في أعين الكثيرين «عدو الشعب رقم واحد»!.

***

الحقيقة غير ذلك، فالإجراءات التي لجأ إليها الوزير، وكانت البداية في الإغلاق الكامل للدولة، وتوقف الحياة تماماً، كانت ضرورية، وهي التي جعلت الوضع الصحي عندنا أفضل من دول كثيرة. فمن أصل مليون ونصف المليون مسحة، حتى ما قبل أيام، و160 ألف إصابة، تعافى منها 153 ألف منهم، إلا أن عدد ضحايا كوفيد لم يبلغ الألف حالة وفاة حتى الآن، وسيبقى غالباً ضمن هذا المعدل، وهذا إنجاز يحسب له. وأعتقد بالتالي أن وزير الصحة، ووكلاء الوزارة المساعدين المعنيين بالوقاية والرقابة الدوائية، يستحقون بالفعل الإشادة والثناء، مع بعض التحفظات التي تعود غالباً الى النظر للأمور من زاويتي، والتي قد تكون مختلفة عن زاوية صاحب القرار. فمسؤولية وزارة الصحة تتمثل في المحافظة على الأرواح، وقد نجحت في ذلك، والوزير بالتالي ليس معنياً بموضوع التجارة والصناعة والسياحة، فهذه مسؤولية جهات أخرى، أو بالأحرى مجلس الوزراء، الذي بإمكانه وقف إجراءات الصحة وتجاوزها، إن رغب.

***

من جهة أخرى، لعبت منظمة الصحة العالمية دوراً حيوياً خلال «وباء كورونا»، ولولاها لكانت الكارثة أكبر بكثير. وعلى الرغم من انسحاب حكومة ترامب من المنظمة، مما حرمها من إسهامات مالية طائلة، فإن حكومته لم تبخل على شركات الأدوية الأميركية بالدعم، حيث منحتها أكثر من 11 مليار دولار، وكانت النتائج مبهرة. أما بريطانيا والدول الأخرى فقد فضلت الإسهام في دعم منظمة الصحة العالمية، حيث تبرعت لها بـ700 مليون دولار، وجاءت بعدها كندا بـ246 مليوناً، وصندوق «بل وميلندا غيتس» الخيري بـ156 مليوناً، والسعودية بـ153 مليوناً.. إلخ. أما الكويت فأسهمت بـ10 ملايين دولار. وكل هذه التبرعات وغيرها تبين مدى اهتمام العالم بضرورة إيجاد مصل واقٍ لهذا الوباء، بعد أن أودى حتى الآن بأرواح أكثر من مليونين من البشر، ولا يزال بعض «الفقهاء والأكاديميين الحكماء» يحذرون المواطنين من أخذ المصل. volume 0% ملاحظة أخيرة: أتمنى على وزير الصحة الإسراع في تعديل نظام حجز مواعيد أخذ الطعم، فالنظام مخترق تماماً، والواسطات شغالة، والمسؤول المختص يعلم ذلك جيداً. أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top