مشكلات الخارجية المنسية
يحن الإنسان بفطرته إلى المكان الذي تربى فيه وهو صغير، على افتراض أن المكان طبيعي وليس سجناً مثلاً أو منطقة موبوءة. ويصعب على الإنسان السوي نسيان الأماكن التي ارتادها أو ما تعلمه أو اعتاد على تناوله من أطعمة وهو صغير، وخاصة الحلويات، فطعمها يبقى «تحت لسانه» إلى الأبد، كما يقولون. وأقول ذلك من واقع تجاربي الشخصية. فقد كانت إدارة الحسابات أول جهة عملت فيها، عندما التحقت للعمل بأحد المصارف، ففيها تعلمت الكثير وظل حنيني لها حتى بعد أن انتقلت في المصرف نفسه لإدارات ومسؤوليات أخرى، وتالياً لمجلس الإدارة، إلا أن حنيني لإدارة الحسابات بقي معي.. حتى اليوم.
* * *
شيخ الدبلوماسية، الأمير الراحل الشيخ صباح، كان دبلوماسياً من الطراز الأول، وبقي معه حنينه لها حتى بعد أن أصبح أميراً للبلاد لفترة طويلة. فقد أولى الأمور الخارجية شديد اهتمامه، ووسع من علاقات الكويت مع مختلف دول العالم، وأصبحت لنا سفارات في دول لم يسمع بها أو يعرفها أحد في الكويت، كما «شجع» وحث شخصياً دولاً عدة لفتح سفارات لها في الكويت، فشهدت البلاد في عهده توسعاً دبلوماسياً كبيراً.
* * *
تغير الوضع في السنوات الأخيرة وأصبح هذا التوسع مصدر إرهاق مالي وصداع إداري لوزارة الخارجية بسبب توسع ملاكها، وزيادة عدد العاملين فيها، وزيادة طلباتهم ومتطلباتهم ومشكلاتهم، خاصة في الدول النائية التي بالكاد تحتاج لوجود مستمر طوال أيام السنة لبعثة دبلوماسية كاملة، وغالباً لعدم وجود شيء يربطها بعالمنا أو بالكويت، وبالتالي أصبح الوضع برمته بحاجة لإعادة نظر، وهذا ما نتمنى أن يحظى باهتمام وزير الخارجية القادم، وليس هناك من هو أفضل من الوزير النشط والشاب الشيخ أحمد ناصر المحمد، الذي نتمنى أن يقوم بنفضة للوزارة ويغلق كل السفارات التي لا تحتاج الدولة لوجودها الفعلي، وتوفير الملايين التي تصرف عليها دون مردود سياسي أو اقتصادي فعلي. فقد شاهد الكثيرون كيف أصبحت بعض سفاراتنا مصدر قلق وإزعاج حقيقي للداخل، نتيجة التوسع الجغرافي غير المدروس، واضطرار وزارة الخارجية لتوظيف أعداد كبيرة من المواطنين للعمل في تلك السفارات، وخضوع تعيينهم في الغالب لضغوط نيابية، ووقوع صراع بين من تم تعيينهم على العمل في سفارات الدول القريبة والمرغوبة، وتجنب البعيدة والهامشية.. وبالذات الجافة منها!
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw