الكاتب عبداللطيف الدعيج.. مثالاً
للإبداع صور كثيرة، ويعرّف بأنه الإنتاج الجديد والمفيد والأصيل والمقبول اجتماعياً والذي يشبع رغبة أو يحل مشكلة، أو يعيد تقديم القديم بطريقة أفضل أو أكثر غرابة، أو التعامل مع المألوف بطريقة غير مألوفة، ودمج الآراء القديمة أو الجديدة في صور مختلفة واستعمال الخيال لتطوير وتكييف الآراء حتى تشبع الحاجيات بطريقة جديدة. كما أنه طاقة عقلية فطرية في أساسها وإنسانية في انتمائها. وأكدت دراسة حديثة أن بين الإبداع والجنون شعرة. وهذا ما أكده آدم بيركنز من جامعة «كينج كولج، لندن»، وكيف أن هناك ارتباطاً بين المخيلة الواسعة والاضطرابات العصبية التي تصيب الإنسان وتؤدي إلى تطور أمراض نفسية وذهنية صعبة. وإذا ما نظرنا إلى الوراء واطّلعنا على الملفات النفسية لمبدعين شكّلوا التاريخ بمختلف مشاربه، سواء في الفن أو الأدب أو الاكتشافات العلمية والاختراعات، فسنجد ما يؤكد صحة هذا الادعاء العلمي. ويمكن تعداد بعض المبدعين الذي وصفوا «بجنونهم» وعانوا أمراضاً نفسية وعقلية عميقة أسهمت، غالباً دون علمهم، في تخليد ذكراهم مثل بيتهوفن، صاحب أعظم المقطوعات في تاريخ الموسيقى البشرية، والروائية فرجينيا وولف. كما كان إسحاق نيوتن، الأعظم في التاريخ البشري، يعاني الاكتئاب ثنائي القطب. كما عرف عن الرسام العبقري فان غوخ إصابته بنوبات صرعية كانت تدفعه لرسم كميات كبيرة من اللوحات، التي تعتبر اليوم من أشهر اللوحات في العالم وأغلاها. ولكن العالم عرف عدداً كبيراً أيضاً من المبدعين الطبيعيين من أمثال شارلي شابلن، وبيكاسو، ووالت ديزني، وألبرت آينشتاين، وغيرهم.
***
أؤمن شخصياً بأن كل سقطات أو جنون أو تطرف آراء أو مواقف أو الحياة الخاصة لأي مبدع أمر يتعلق به شخصياً، ولا علاقة للناس بالأمر، بل هم معنيون فقط بما يقدمه من إبداع في الغناء أو التمثيل أو الرسم أو الرقص أو النحت. وحده الكاتب الصحافي، وربما بضعة آخرين في حكمه، من يتطلب الأمر معرفة صحتهم العقلية وحقيقة مواقفهم من القضايا المطروحة، ونزاهتهم، قبل التصديق أو الإيمان بما يكتبون. فالكاتب الصحافي الكبير توماس فريدمان إنسان مبدع، وهناك كثيرون مثله، فهو قادر على التأثير في قرائه وتشكيل آرائهم، وتوجيههم أحياناً لاتجاهات خطيرة ودفعهم للإيمان بقضايا سياسية قد لا تكون عادلة، ولكنها صحيحة من وجهة نظره، بالتالي من المهم معرفة الكثير عن الكاتب قبل التأثر به أو تصديق ما يكتب. والزميل عبداللطيف الدعيج، الذي نفتقد كتاباته اليومية، هو مثال الكاتب المميز، الذي قد لا تتفق أحياناً مع رؤاه، ولكن يصعب اتهامه بالتحيز أو أنه «قابض» أو مدفوع له. فما يكتبه يمثل فكره، وفكره فقط.
أحمد الصراف
a.alsarraf@alqabas.com.kw